«استراحة الخميس».. د.سعاد الصباح تتساءل: «هل مازال العرب مكانك راوح؟»
تأخذك الدهشة ما أن تفرغ من قراءة كتاب الشيخة د.سعاد الصباح «استراحة الخميس»، الصادر حديثا عن دار سعاد الصباح للثقافة والابداع، وتتساءل: هل ندور في حلقة مفرغة؟ قبل أن يتبادر إلى ذهنك ادعاء وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان «العرب لا يقرأون، واذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون».
فعلى الرغم من دوران كتاب «استراحة الخميس» في فلك التوثيق، كونه يوثق عددا من المقالات التي كتبتها الشيخة د.سعاد الصباح في ثمانينيات القرن الماضي، بالصفحة التي كان يطلق عليها اسم «استراحة الخميس» في صحيفتي «الوطن» و«القبس»، إلا أننا نشعر وكأنها قد كتبت مقالاتها في أيامنا الحالية، فهل هي نبوءة، أم ترانا ندور في المكان ذاته منذ نصف قرن؟!
وجاء الكتاب في نحو مائتي صفحة، وتزين غلافه بلوحة رسمتها الكاتبة ذاتها ولم يتضمن كل المقالات التي سبق وكتبتها، بل جزء منها لا أكثر، ولعلنا نرى جزءا آخر من الكتاب في قابل الأيام.
وتقول الشيخة د.سعاد الصباح في تقديمها للكتاب «لم أكن أعرف أن الكلمات يمكن أن تخزن حرائقها بين السطور.. بانتظار لحظة الاندلاع الكبرى التي يراجع فيها الكاتب تاريخه فيذهله هول الهموم التي كتب عنها، وحجم القضايا التي أثقل بها قلبه.. وكمية الدموع التي سكبها، ومدى الصراخ الذي أعلنه.. كم من مرة تمزق أشلاء، وكم من مرة أعلن انهيار معاني الإنسانية في عالم مزدحم بالكلام عن الإنسانية.. لكنها الكلمة قدرنا الذي سرنا إليه وسار إلينا».
وأضافت «كانت استراحة وضعت بها عصافيري على كتف جريدة «الوطن» في أعوام، وعلى أغصان جريدة القبس في أعوام أخرى.. في زمن جميل عاشت فيه الكويت أزهى فتراتها الإعلامية، وجمعتني مع رموز فكرية وأدبية وإعلامية كانت علامة مشرقة من علامات هذا الوطن الذي يقاتل من أجل الحرية.. لا أريد ترميم الماضي.. بل استحضاره فقط.. ولم أكن أتصور أننا لم نتحرك بعيدا عن تلك النقطة التي وقفنا عندها منذ خمسين عاما.. فقد مر قطار الزمن.. واكتشفنا أننا لم نركبه.. بل كنا نقف بجانب المحطة ونرى الحركة ونظننا جزءا منها».
حبل المشيمة
هذا ما عكسه الكتاب والذي جاء كصرخة مزلزلة علنا نصحو من سباتنا، إذ نكتشف أن المؤلفة أوضحت العلاقة بين أميركا وإسرائيل في مقال كتبته قبل أكثر من خمسين سنة، لكننا حين نعيد قراءته يخيل إلينا أنها كتبته بخصوص ما يجري على أرض غزة اليوم.
وتصف الوضع العربي، في مقال كتبته قبل نصف قرن، فنشعر وكأنها تتحدث عنه في الوقت الحاضر، إذ تقول «العلم العربي واقف على سجادة من نار.. والسجادة تحترق تحته خيطا.. خيطا.. وهو لا يرى الحريق ولا يشم رائحته.. حتى البحر في لبنان والخليج يحترق، ولايزال العربي مقتنعا أن الماء لا يحترق، فالعربي مثل نيرون يحب أن يتفرج على روما، أو على بغداد، أو على بيروت، وهي تحترق ولكنه لا يصدق أن النار ممكن أن تصل ذات يوم إلى عباءته.
الحلم المستحيل
ويبدو طبيعيا أن ترى المؤلفة في مقال كتبته مطلع عام 1983، الوحدة العربية حلما مستحيلا، وكم آلمها، ويؤلمنا، حين تقارن بين الواقع الأوروبي وواقعنا المأساوي إذ تقول «سكاكين الألم تذبحني، وأنا أرى شعوبا متفرقة، يتعاملون كشعب واحد، وشعوبا من دم واحد، ودين واحد، وتاريخ واحد.. وتراث وتقاليد واحدة.. تفرق بينهم آلاف الحواجز، ويزداد عدد الحواجز يوميا بعدد أيام السنة، أرى الاتحاد والوحدة آمال بعيد المنال، فقد أكون خيالية وأنا أحلم بالوحدة».
وعلى الرغم من كل ذلك، أصرت، ولاتزال تصر، على ضرورة الركض وراء المعرفة، حيث نشرت مقالا في ثمانينيات القرن الماضي ركزت فيه على دور الكلمة، فقالت «في عالم عربي يتخبط في جراحاته وتناقضاته، وانقساماته وأحزانه، لابد للكلمة أن تلعب دورا في إضاءة الطريق وزرع بذور المحبة، وإخراج المواطن العربي من هذا الليل الحالك السواد الذي يتخبط فيه، ومن أولى من الكلمة بإشعال مصابيح الحق؟! فالدفاع عن الإنسانية عندي هو الكحل النادر الذي أحب ألا تخلو عيناي منه، والدفاع عن قضية الإنسان وحريته هو العطر الجميل الذي يطيب لي أن أتعطر به وأزهو، فالإنسان من غير عطر الإنسانية لا يعد من البشر».