السعودية ودورها في توحيد الموقف السنّي في لبنان..!

لطالما شكّلت المملكة العربية السعودية أحد أبرز الداعمين للبنان في مختلف المراحل السياسية والاقتصادية، مستندةً إلى روابط تاريخية وثقافية عميقة مع الشعب اللبناني. ويبرز دورها بشكل خاص في دعم الطائفة السنّية التي تربطها بالمملكة علاقات وثيقة قائمة على القيم المشتركة والاعتدال الديني والسياسي. ومع تفاقم الأزمات السياسية في لبنان، برزت جهود المملكة لتوحيد الموقف السنّي والحفاظ على دوره الوطني ضمن الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن والتعايش.
المملكة العربية السعودية تلعب دورًا محوريًا وجهودًا بارزة في تهدئة الأوضاع السياسية في لبنان، مع اهتمام خاص بالتهيئة لحوار وطني بين جميع الفرقاء السياسيين، وبالأخص بين السياسيين السنّة في لبنان. يرتكز الدور السعودي في هذا السياق على تحفيز تيارات سياسية سنّية لبنانية على التعاون والابتعاد عن التأثيرات التي قد تزيد من الانقسامات، مع دعم تحالفات سياسية تعزز من الاستقرار الوطني.
تأتي هذه الجهود ضمن إستراتيجية سعودية شاملة تتمثل في دفع السياسيين السنّة نحو تكوين تحالفات تدعم الاستقرار وتمثّل مصالح الطائفة بطريقة توازن القوى في لبنان، بعيدًا عن تدخلات خارجية أو هيمنة غير دستورية، مع التشديد على تطبيق اتفاق الطائف وحصر السلاح بيد الدولة. السعودية أيضًا تؤكد أهمية استمرار التنسيق مع لبنان في القضايا الإقليمية والدولية، وتدعو إلى ضبط أي مواقف سياسية تؤدي إلى تأزيم الوضع اللبناني. هذه الجهود السعودية تشمل دعم السلطات اللبنانية في مواجهة محاولات العبث بأمن المواطنين، وتعزيز التعاون بين القوى السياسية داخل لبنان لإقامة بيئة سياسية مستقرة وآمنة.
تسعى الرياض بهدوء ودون ضجيج إعلامي إلى رأب الصدع داخل البيت السنّي من خلال تشجيع الحوار، واستقبال الشخصيات اللبنانية في المملكة، ودعم المبادرات التي تعيد ترتيب العلاقة بين القيادات السياسية والدينية. وهي تحاول من خلال ذلك إعادة التوازن إلى الساحة اللبنانية، لأن غياب الصوت السنّي الموحد أضعف حضور الطائفة في المعادلة الوطنية وفتح المجال أمام قوى أخرى لتملأ الفراغ.
كما تولي السعودية اهتمامًا خاصًا بدار الفتوى في بيروت، باعتبارها المرجعية الجامعة لكل المسلمين السنّة في لبنان، وتشجع على الالتفاف حولها بعيدًا عن الصراعات السياسية الضيقة. فالمملكة تدرك أن استقرار لبنان يبدأ من وحدة مكوّناته، وأن الطائفة السنّية المعتدلة تشكّل عنصر توازن ضروري في مواجهة التطرف والانقسام.
إن الدور السعودي يبقى أساسيًا في حماية التوازن اللبناني، وفي دعم أي مبادرة تصب في مصلحة الدولة ومؤسساتها. فالسعودية لا تبحث عن نفوذ بقدر ما تسعى إلى استقرار بلد عربي شقيق، له مكانة خاصة في وجدانها وتاريخه المشترك معها.
من الواضح أن المملكة العربية السعودية تتحرك اليوم في لبنان بدافع الحرص أكثر من الطموح، وبأسلوب يختلف عن المراحل السابقة، حيث يتركز الجهد على إعادة بناء الثقة داخل الطائفة السنّية ومن ثم داخل الدولة اللبنانية ككل. هذه المقاربة الهادئة والعقلانية قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ التوازن السياسي في لبنان، شرط أن تجد تجاوبًا حقيقيًا من الداخل اللبناني، بعيدًا عن الحسابات الضيقة. فالمملكة تفتح الباب، لكن مسؤولية العبور تبقى على اللبنانيين أنفسهم.
أخبار ذات صلة





