قرية محمد الحبسي برأس الخيمة شاهد على التاريخ

التعلق بالأصالة وبكل ما له علاقة بالثقافات التراثية القديمة، شعور يتشارك فيه آلاف البشر حول العالم، ما يجعل المهرجانات والمعارض التراثية تجتذب الزوار دوماً، فيما يقبل الكثيرون على الشراء حال وجود منتجات للبيع، لكن ليس كل ما نقتنيه يمكن بيعه، لأن قيمته التاريخية أغلى بكثير من أي ثروة، لذلك لا بد من الحفاظ على المقتنيات، ولو تكلف ذلك مالاً، لأنها قطع بمثابة كنوز لن تتكرر. وتعد قرية محمد سليمان الحبسي بمنطقة خت برأس الخيمة، أحد الشواهد على تاريخ الحبوس الذين عاشوا في أحضان تلك الجبال الشامخة، ولا يزال أهل المنطقة يعتزون ويفخرون بمقدرتهم على التعايش مع حياة الجبال، حيث كان ولا يزال لهم فيها مآرب، رغم انتهاء علاقتهم بها للسكن.
بدأ محمد سليمان الحبسي، في جمع كل ما ينتمي لثقافة الحبوس منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لشعوره بقيمة كل قطعة تخلى عنها أصحابها، إما حباً في من سيحصل عليها، وإما لأن أصحابها رغبوا في الحصول على الجديد في السوق.
حصل الحبسي على مجموعة من المقتنيات من الأهل، ثم أصبح يبحث ويسأل في المنطقة وخارج المنطقة، حتى أصبح لديه الكثير مما يمكن أن يصبح حاضراً بشكل دائم للمستقبل. وفي عام 1991، قرر أن يصنع قرية تراثية، لتبقى رمزاً على حياة أهل الجبل، وبالأخص الحبوس، وأصبح للمكان من يرتاده، لأنه يُحي الذكريات الجميلة، ومن تلك القطع تنبعث روائح عبق الماضي، الذي لا يزال حاضراً في المكان، وهو حريص على قبول أي طلب لزيارة قريته ليشرح للأجيال عن كل قطعة، خاصة أن هناك أيضاً تبادل زيارات من قبل المسؤولين عن توثيق التراث مثل (اليونيسكو) للاطلاع، وأيضاً أصحاب المتاحف الشخصية، وغيرهم من محبي حفظ الماضي للحاضر.
يملك محمد سليمان بندقية من نوع ميزر، تعود للجد، ويقدر عمرها بما يقارب مئتي عام، وهو بصدد عرضها على لجنة تقييم للآثار والتراث، كما يملك سيفاً عليه ختم صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه ليس متأكداً من الختم، إلا بعد أن يتم عرضه على خبراء.
كما يحتفظ الحبسي بصندوق معدني (سحارة) كانت لوالدته، وقد عرف أهل الإمارات مثل تلك الصناديق قبل الثلاثينيات من القرن الماضي، وتتمثل مهمته لأي أسرة في تجهيز الابنة للزواج، حيث تكون ضمن الزهبة أو مستلزمات العروس، ولا توضع الملابس، ولا بقية مواد الزينة إلا فيه، بعد أن تم الاستغناء عن الصندوق الخشبي، (السرتي)، كما يحتفظ الحبسي بجانب الصندوق المعدني بأحد أجهزة المذياع القديم.