العفو الدولية: عدالة المناخ تبدأ بمحاسبة إرث الاستعمار

أكدت منظمة العفو الدولية أن تحقيق العدالة المناخية الحقيقية يتطلب محاسبة الدول التي مارست الاستعمار سابقًا على الأضرار البيئية والإنسانية التي تسببت بها، والتي لا تزال آثارها تؤثر سلبًا على العديد من الشعوب، خاصة في القارة الأفريقية. ويأتي هذا التأكيد في ظل تزايد المطالبات الدولية بتعويض المتضررين من تغير المناخ، مع التركيز على المسؤولية التاريخية للدول الغنية.
سلط تقرير حديث للمنظمة الضوء على حالة شعب الأنتاندروي في جنوب مدغشقر، حيث دمرت السلطات الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية (1924-1929) مساحات واسعة من الغطاء النباتي المقاوم للجفاف، باستخدام طفيليات معدلة وراثيًا، مما أدى إلى خسارة حوالي 100 كيلومتر مربع من الغطاء النباتي سنويًا. هذا التدمير البيئي أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للسكان المحليين وزيادة تعرضهم للكوارث الطبيعية.
العدالة المناخية والمسؤولية التاريخية
وفقًا للتقرير، فإن موجات الجفاف المتكررة في مدغشقر قد تفاقمت بسبب تغير المناخ، والذي يعزى في معظمه إلى انبعاثات الغازات الدفيئة من قبل الدول الغنية ذات التاريخ الاستعماري، وعلى رأسها فرنسا. هذه الانبعاثات ساهمت في زيادة هشاشة المجتمعات المحلية أمام الكوارث البيئية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
في عام 2022، أقرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بدور الاستعمار في إحداث الأزمة المناخية وتعميق آثارها على الشعوب في المستعمرات السابقة. ومع ذلك، يرى خبراء أن السياسات الدولية الحالية لم تترجم هذا الاعتراف إلى التزامات عملية كافية لتقديم التعويضات والدعم اللازم للمتضررين.
جهود دولية للمحاسبة
في مارس/آذار 2023، قادت دولة فانواتو، وهي مستعمرة سابقة لفرنسا وبريطانيا، مبادرة في الأمم المتحدة لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الدول في مواجهة تغير المناخ. حظيت هذه المبادرة بدعم من عدة دول أفريقية، بهدف تحديد المسؤوليات القانونية للدول المسببة لتغير المناخ.
ومع ذلك، أغفل الرأي الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2025 ذكر “الاستعمار” أو الإشارة إلى مسؤوليته عن تفاقم الأضرار المناخية. كما تجنب الخوض في مدى امتداد المسؤولية التاريخية إلى ما قبل القوانين البيئية الحديثة، وهو ما أثار انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان والناشطين البيئيين.
فرصة للمحاسبة القانونية
على الرغم من تجاهل البعد الاستعماري، أكدت محكمة العدل الدولية أن التزامات الدول المناخية لا تقتصر على المعاهدات الدولية، بل تشمل أيضًا القانون الدولي العرفي. هذا القانون يحمل الدولة مسؤولية الأفعال غير المشروعة التي تستمر آثارها في انتهاك حقوق الإنسان، بغض النظر عن تاريخ وقوعها. وهذا يفتح الباب أمام المطالبة بالتعويضات عن الأضرار البيئية والإنسانية الناجمة عن الاستعمار.
لكن المحكمة اشترطت وجود “رابط سببي مباشر ويقيني” بين الفعل والانتهاك لفرض التعويضات، وهو شرط يراه حقوقيون صعب التحقق في حالات تشابك آثار الاستعمار مع تغير المناخ. هذا الشرط قد يمنح القوى الاستعمارية السابقة مساحة للتهرب القانوني وتجنب تحمل المسؤولية الكاملة.
في سياق متصل، أعلن الاتحاد الأفريقي عام 2025 “عام العدالة للأفارقة والأشخاص ذوي الأصول الأفريقية من خلال التعويضات”. وفي هذا الإطار، تنظر المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في طلب رأي استشاري حول التزامات الدول الأفريقية في سياق تغير المناخ، مع التركيز على الربط بين الظلم المناخي والإرث الاستعماري.
يعتبر حقوقيون أن هذا يمثل فرصة تاريخية للمحكمة الأفريقية لتأكيد أن العدالة المناخية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تحقيق العدالة التعويضية. كما يمكن أن يساهم في إبراز معاناة المجتمعات التي تتقاطع فيها آثار الاستعمار مع الأضرار البيئية المعاصرة، مثل شعب الأنتاندروي في مدغشقر.
آفاق مستقبلية
من المتوقع أن تصدر المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب رأيها الاستشاري بشأن التزامات الدول الأفريقية في سياق تغير المناخ بحلول نهاية عام 2026. هذا الرأي قد يكون له تأثير كبير على السياسات الدولية المتعلقة بتغير المناخ والتعويضات، وقد يشجع الدول الأفريقية على المطالبة بجبر الضرر عن جرائم الاستعمار والعبودية. يبقى أن نرى ما إذا كانت محكمة العدل الدولية ستعيد النظر في موقفها السابق بشأن المسؤولية التاريخية للاستعمار في تفاقم الأزمة المناخية.





