العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد العلاونة

يُعدّ الباحث الأردني أحمد إبراهيم العلاونة من أبرز المهتمين بتوثيق التراث العلمي والثقافي في العالم العربي، وقد أثار كتابه الجديد “العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم” اهتماماً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والثقافية. يتناول الكتاب مصير 400 مكتبة شخصية لعلماء عرب معاصرين، مسلطاً الضوء على أهمية الحفاظ على هذا النوع من التراث المعرفي الذي يهدده الضياع والإهمال. يرصد الكتاب ما حل بهذه المكتبات بعد وفاة أصحابها، سواءً بالبيع أو الهبة للمؤسسات العلمية.
يأتي هذا العمل في سياق جهود العلاونة المستمرة لتوثيق مسيرة العلماء والأدباء، والتي بدأت بإصداره أجزاءً جديدة من كتاب “الأعلام” للزركلي، وترسّخت من خلال مؤلفاته المتعددة التي تهدف إلى إحياء السير العلمية والثقافية في المنطقة. يُمثل الكتاب إضافة نوعية إلى الدراسات التاريخية والثقافية، إذ يتجاوز مجرد التراجم الذاتية إلى استكشاف البيئة الفكرية والمادية التي تشكّلت فيها هذه الشخصيات.
أهمية توثيق مآل مكتبات العلماء
يكمن الدافع وراء تأليف هذا الكتاب في إحساس العلاونة العميق بأهمية الحفاظ على الذاكرة الثقافية العربية. فقد لاحظ أن مكتبات العلماء، التي تمثل خلاصة جهودهم الفكرية والعلمية، غالباً ما تضيع أو تتبدد بعد وفاتهم. يرى العلاونة أن هذه المكتبات ليست مجرد مجموعات من الكتب، بل هي وثائق تاريخية تعكس شخصية العالم وميوله العلمية والاجتماعية.
يشير الكتاب إلى أن فقدان هذه المكتبات يمثل خسارة كبيرة للتراث العربي، حيث إنها تحتوي على كنوز من المخطوطات والكتب النادرة والملاحظات الهامشية التي لا تقدر بثمن. بالإضافة إلى ذلك، فإن مصير هذه المكتبات يعكس مدى وعي المجتمع بأهمية التراث الثقافي وضرورة الحفاظ عليه. هذا وعي بالتراث وضرورة صونه يمثل جانباً كبيراً من التوثيق التاريخي.
دوافع العلاونة وراء هذا العمل
انطلق العلاونة في هذا المشروع بدافع من الإحساس بمسؤولية أخلاقية تجاه العلماء، ورغبة في تسليط الضوء على هذه المشكلة التي غالباً ما تبقى محصورة في دائرة الضوء. كما سعى إلى تقديم دراسة متكاملة حول هذا الموضوع، من خلال توثيق مصير أكبر عدد ممكن من المكتبات، وتقديم تحليل معمق لأسباب ضياعها.
منهج الكتاب وخطه
يعتمد الكتاب على منهج وصفى تحليلي، حيث يقدم العلاونة ترجمة مقتضبة لكل عالم، ثم يصف محتويات مكتبته ومصيرها. لقد قام بجمع معلومات دقيقة حول هذه المكتبات من خلال البحث في المصادر الأولية، مثل سجلات المؤسسات العلمية والمحاكم الشرعية، والمقابلات مع الورثة والأصدقاء والمعارف.
الكتاب بمثابة دعوة للحفاظ على التراث الثقافي
يتجاوز الكتاب مجرد التوثيق التاريخي ليطرح تساؤلات حول الدور الذي يجب أن تلعبه المؤسسات العلمية والثقافية في الحفاظ على مكتبات العلماء. يدعو العلاونة إلى إنشاء صندوق خاص لرعاية هذه المكتبات، وتوفير الدعم المالي والفني لأصحابها أو ورثتهم. ويقترح أيضاً إدراج هذه المكتبات ضمن قوائم التراث الوطني، وإعطائها الحماية القانونية اللازمة.
بينما يُركز الكتاب على المكتبات التي بيعت أو أُهديت لمؤسسات، إلا أنه يلقي الضوء أيضاً على المكتبات التي تعرضت للضياع أو الإهمال. هذا يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الثروة الثقافية، وتشجيع الأفراد والمؤسسات على تبني مبادرات لحمايتها. العمل بمثابة دعوة إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع التراث الشخصي للعلماء والمفكرين.
الأمر الذي أكده الكتاب هو، أن المكتبات الخاصة للعلماء ليست مجرد مخازن للكتب، بل هي جزء لا يتجزأ من هويتهم الفكرية والثقافية. فالكتب التي يقتنيها العالم، وطريقة ترتيبها، والملاحظات التي يكتبها في هوامشها، كلها تعكس شخصيته وميوله العلمية، وبالتالي فهي تحمل قيمة تاريخية وثقافية كبيرة.
في الختام، يمثل كتاب “العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم” مساهمة قيمة في مجال التراث الثقافي العربي. ومن المتوقع أن يثير هذا الكتاب نقاشاً واسعاً حول كيفية الحفاظ على هذا التراث، وتشجيع المؤسسات العلمية والثقافية على تبني مبادرات لحمايته وصونه. يُتوقع أن يصدر عن الكتاب دراسات وتحليلات معمقة في الأشهر القادمة، وأن يشكل نقطة انطلاق لمشاريع بحثية جديدة حول هذا الموضوع. المتابعة الحثيثة لردود الأفعال على الكتاب، والمبادرات التي ستطلق على إثره، ستكون مفتاحاً لفهم مدى تأثيره على الوعي الثقافي.





