المسألة اليهودية وحلول بديلة عن مأزق الحل الصهيوني
تزامنا مع الذكرى لأولى لبداية الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، صدر كتاب جديد للمؤلف المغربي والوزير والبرلماني السابق، الحبيب شوباني بعنوان: “المسألة اليهودية في عصر الطوفان: في بناء سردية المأزق الوجودي للحل الصهيوني للمسألة اليهودية”.
ويعتبر المؤلف أن كتابه -الواقع في 284 صفحة، والصادر عن دار النشر الخيام- بحث علمي في تاريخ المسألة اليهودية؛ كقضية دينية وسياسية نشأت في المجتمعات المسيحية الأوروبية قبل مئات السنين، وتم تصديرها للحوض الحضاري الإسلامي في القرن الـ20 بعد عملية استئصال للمكون اليهودي من أوروبا واستزراعه في فلسطين، ضمن مخطط تنفيذ ما يعرف بالحل الصهيوني للمسألة اليهودية، الذي يقضي بإقامة دولة لليهود في فلسطين.
بواعث التأليف
وشكل النقاش الذي فتح عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على كافة المستويات بين عموم الناس والنخب، وكذلك واجب المساهمة في إشاعة الوعي العلمي بطبيعة “المسألة اليهودية” باعتبارها قضية دينية-سياسية في جوهرها وأُسُسِها، أوروبية-مسيحية-يهودية في تاريخ نشأتها وتشكُّلها وصيرورتها؛ أبرزَ البواعث الأساسية لتأليف الكتاب في ظل ضعف المعرفة بطبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط بين الكيان الصهيوني والعالم العربي والإسلامي في فلسطين.
ويوضح المُؤلِف أنه سعى لكشف مأزق وهم الصلاحية الأبدية لسردية “الحل الصهيوني للمسألة اليهودية”، خاصة بعد انفجار طوفان الأقصى وما أظهره من طاقة تحررية في وجه هذا الحل، أصابت أركان الأساطير الدينية والسياسية التي بني عليها بشروخ جسيمة.
كما قصد المؤلف من عمله أن يكون رسالة خاصة لصفوة أهل الفكر والتأثير، وصناع القرار في الحوض العربي والإسلامي ولعموم عقلاء العالم وخاصة اليهود منهم، وخدمة ثقافية عمومية ميسرة تروم بناء واستيعاب سردية مُحيَّنة للمسألة اليهودية بصفتها قضية فكرية وسياسية ودينية وتاريخية مزمنة ومعقدة وجعلها في متناول أوسع جمهور قارئ ممكن.
مفاهيم مركزية وأسئلة مفتاحية
وسلَّط المؤلف الضوء على أهم المفاهيم المركزية في الكتاب، وشرحها ليتمكن القارئ من استيعابه بشكل سلس، فشرح مفهوم “المسألة اليهودية” أو “المشكلة اليهودية” و”الحل الصهيوني للمسألة اليهودية”، والفرق بين “الهولوكوست” و”المحرقة” و”المفهوم الإستراتيجي لطوفان الأقصى”، والمأزق الوجودي لـ”الحل الصهيوني للمسألة اليهودية” بعد طوفان الأقصى ومتابعة العالم لأخبار ومشاهد الإبادة الجارية في غزة عبر نقل مباشر بفضل الثورة الرقمية.
وقد أدى التقاسم اللحظي لملايين المشاهد الحية من “الهولوكوست الفلسطيني” إلى صناعة وجدان إنساني عالمي موحد وعابر للحدود والثقافات، وتوحيد مشاعر الذهول والاشمئزاز لدى شعوب العالم ضد ممارسات إسرائيل “النازية الجديدة”، بحسب وصفه، مما عولم المواجهة ضد إسرائيل، وأثار مخاوف الجماعات اليهودية عبر العالم على مستقبلها وأمنها جراء اقتران الصهيونية باليهودية في المخيال الجمعي العام لجل شعوب الأرض. لأن حرب الإبادة بغزة أثارت مخاوفها.
المؤلف، طرح أسئلة مفتاحية لفهم تاريخ ومآلات المسألة اليهودية في عصر الطوفان من قبيل: ما التمفصلات الأساسية في الصيرورة التاريخية للمسألة اليهودية؟ ولماذا نشأت؟ وتطورت في الفكر الغربي بوصفها مقولة سياسية ارتبط بالتاريخ المأساوي لليهود في أوروبا، وما أبرز معالم النصوص الأدبية والسياسية التي عكست الصيرورة التاريخية للمسألة اليهودية نحو اختراع “الحل الصهيوني” لها؟ ليكون حلا سحريا لدائها العضال بعد فشل حلول سابقة له، وما الأصول والجذور الدينية التي استمد منها الحل الصهيوني مشروعا لحل المسألة المذكورة، مادة وجوده وحيويته الفكرية والسياسية؟
ومن الأسئلة التي طرحها المؤلف كذلك؛ كيف نشأت الإٍرهاصات الأولى لـ”الحل الصهيوني للمسألة اليهودية” في تربة المعتقد المسيحي البروتستانتي، وولادة المسيحية الصهيونية قبل الصهيونية اليهودية، وكيف نشأت الأصول السياسية للحل الصهيوني من دعوة السياسي البريطاني كرومويل، ومن نحت المفكر النمساوي ناتان بيرنباوم لمصطلح الصهيونية، ومن تحرير ونشر كراسة “التحرير الذاتي” للطبيب الروسي ليون بينسكير، وهندسة المشروع الصهيوني في كتاب “دولة اليهود” للصحافي والمسرحي النمساوي ثيودور هرتزل.
تفكيك أسس وأساطير الحل الصهيوني للمسألة اليهودية
وفي سياق الإجابة على تلك الأسئلة، اعتمد المؤلف في مراجعه بشكل أساسي على مفكرين وكتاب وباحثين ومؤرخين ومفكرين غربيين جُلُّهم يهود، لدفع أي شبهة انزياح عاطفي وجداني في التعاطي مع موضوع كبير ومعقد وله تداعيات جسيمة على المنطقة.
تطرق الكتاب للأساطير المؤسسة للحل الصهيوني للمسألة اليهودية وعددها 10؛ أبرزها أن “فلسطين كانت أرضا فارغة” وأسطورة “كان اليهود شعبا بلا أرض”، و”الصهيونية هي اليهودية”، و”الصهيونية ليست استعمارا” وتروج في الغرب على أنها حركة ليبرالية لتحرر وطني، وأسطورة “غادر الفلسطينيون أوطانهم طوعا عام 1948”
وتطرق المُؤلِّف لكيفية تفكيك أولئك المؤرخين والمفكرين لمادة الأسس الدينية والفكرية والسياسية للحل الصهيوني للمسألة اليهودية، وكيف كشفوا زيف سردية ذلك الحل ومحدودية صلاحيته الزمنية، وذهب إلى أن الأمر يتعلق بمشروع أيديولوجي استعماري، تغذى على أساطير دينية وسياسية ووظف فكرة “الوطن القومي لليهود” في سياق تحالف إمبريالي غربي صهيوني بغرض التخلص المزدوج من يهود أوروبا بإبعادهم عنها، وتفكيك الخلافة الإسلامية وتقاسم إرثها والهيمنة على شعوبها، بحسب الكتاب.
وفي هذا الإطار، تطرق الكتاب للأساطير المؤسسة للحل الصهيوني للمسألة اليهودية وعددها 10؛ أبرزها أن “فلسطين كانت أرضا فارغة” وأسطورة “كان اليهود شعبا بلا أرض”، و”الصهيونية هي اليهودية”، و”الصهيونية ليست استعمارا” وتروج في الغرب على أنها حركة ليبرالية لتحرر وطني، وأسطورة “غادر الفلسطينيون أوطانهم طوعا عام 1948″.
وفي حديثه عن الخلاصات الأساسية في بناء سردية المأزق الوجودي لـ”الحل الصهيوني للمسألة اليهودية”.
وعرّج المؤلف على حقب (ثمانية) ومآزق الحلول الأوروبية للمسألة اليهودية منذ حقبة ما قبل ظهور حركة الإصلاح الديني البروتستانتي، مرورا بحقبة إنتاج الأدبيات المؤسسة للحل الصهيوني للمسألة اليهودية (1871-1897) وصولا إلى حقبة ما بعد علمية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي كانت لها نتائج كبيرة؛ من بينها تفكيك عدد من الثنائيات أو العلاقات والارتباطات من قبيل: الربط الأسطوري اللاهوتي الوظيفي بين الجماعات اليهودية المتعددة عبر العالم، وبين أسطورة الشعب اليهودي الخالص عرقيا، العلاقة بين “شعب يهودي بلا أرض” و”أرض الميعاد”، والعلاقة بين “الصهيونية ” واليهودية “، لأن طوفان الأقصى أنتج خوفا إستراتيجيا غير مسبوق لدى يهود العالم الذين باتوا متوجسين من أخطار التطابق الانتحاري الحاصل بين المشروع الصهيوني وبين صورة الأفعال الهمجية والإرهابية التي تعممها وسائط الثورة الرقمية، وبطلها “النازي الجديد” صانع مشاهد الإبادة في غزة، بحسب الكتاب.
نتائج “طوفان الأقصى”.. فشل وخوف إستراتيجي
يوجد منبع هذا الخوف الإستراتيجي في تداعيات ومآلات التحولات النفسية والثقافية العميقة، والواسعة الجارية في منظور الرأي العالم العالمي لدولة اليهود، التي تتصرف كدولة احتلال وفصل عنصري منهارة أخلاقيا.
ومما يؤشر على هذا التحول، كثافة مشاركة يهود الدول الغربية في الحراك الاحتجاجي العالمي ضد جرائم الإبادة في غزة وحرصهم على رفض لافتات تنص بشكل لافت على أن “الصهيونية ليست هي اليهودية”، ودعوة قادة الفكر والرأي اليهود إلى إنقاذ اليهودية كدين من خطر القرصنة والتوظيف السياسي من طرف تيار الصهيونية الدينية، وأبرز هؤلاء المفكرين؛ الحاخام الأميركي الشهير يعقوب شابيرو مؤلف كتاب “العربة الفارغة: رحلة الصهيونية من أزمة الهوية إلى سرقة الهوية” الصادر عام 2018.
خلص المؤلف إلى فشل الحل الصهيوني للمسألة اليهودية، وانتهائه إلى مأزق وجودي بعدما نسف “طوفان الأقصى” فكرة “الوطن القومي اليهودي الآمن بقوة الردع والسيطرة العسكرية”، وتحويل معركة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 فلسطين المحتلة إلى أخطر مكان على أمن اليهود في العالم
وبعدما استعرض الكتاب نتائج “طوفان الأقصى”، وكيف أجهز إستراتيجيا وسياسيا ومجتمعيا على مرتكزات الخداع التفاوضي لأوسلو”، وفكك العلاقة بين “وعود السلم والازدهار الإقليمي” و”تكريس واقع الاحتلال بالإبادة والتطبيع”، وبين “التحالف الصهيوني الغربي” و”الحضارة اليهودية والمسيحية”؛ خلص إلى فشل الحل الصهيوني للمسألة اليهودية، وانتهائه إلى مأزق وجودي بعدما نسف “طوفان الأقصى” فكرة “الوطن القومي اليهودي الآمن بقوة الردع والسيطرة العسكرية”، وتحويل معركة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 فلسطين المحتلة إلى أخطر مكان على أمن اليهود في العالم.
اقترح المؤلف حلا للمسألة اليهودية وصفه بالحل الحضاري الإسلامي، واستعرض أسسه وخصائصه وآلياته، مبيّنا أن هذا الحل هو الكفيل بتحرير الشعب الفلسطيني من احتلال نظام الفصل العنصري الاستيطاني الصهيوني، وتحرير اليهود واليهودية من الصهيونية
وقد اقترح المؤلف -الحاصل على دكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية- حلا للمسألة اليهودية وصفه بالحل الحضاري الإسلامي، واستعرض أسسه وخصائصه وآلياته، مبيّنا أن هذا الحل هو الكفيل بتحرير الشعب الفلسطيني من احتلال نظام الفصل العنصري الاستيطاني الصهيوني، وتحرير اليهود واليهودية من الصهيونية، وتحقيق تعارف عالمي إنساني جديد تستحقه البشرية التي تحتاج لبناء نظام دولي عادل يحررها من الهيمنة الغربية الفاقدة للقيم الأخلاقية والإنسانية النبيلة.