Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

بلومبيرغ: الصعود غير المسبوق للروبل يهدد اقتصاد روسيا

لم يكن الارتفاع الحاد في قيمة الروبل الروسي هذا العام خبرًا سارًا لصنّاع القرار في موسكو، بقدر ما شكّل مصدر قلق متزايد لاقتصاد يعمل تحت ضغط الحرب والعقوبات. فبعد سنوات من الضعف، قفزت العملة الروسية إلى مستويات لم تشهدها منذ ما قبل حربها مع أوكرانيا، في مسار فاجأ السلطات النقدية نفسها. ويثير هذا الصعود تساؤلات حول تأثيره على تنافسية الاقتصاد الروسي وإيرادات الدولة، خاصةً مع تراجع عائدات الطاقة.

وبحسب بلومبيرغ، بات الروبل الروسي من بين أفضل الأصول أداءً عالميًا في 2025، متفوقًا على معظم العملات الرئيسية. غير أن هذا الصعود، الذي يبدو ظاهريًا مؤشر قوة، بدأ يهدد تنافسية الاقتصاد وإيرادات الدولة. ومع تراجع عائدات الطاقة وتباطؤ النمو، يتحول الروبل القوي من درع نقدي إلى عامل ضغط هيكلي.

صعود قياسي خارج الحسابات

وفق بيانات نقلتها بلومبيرغ، ارتفع الروبل الروسي بنحو 45% منذ بداية العام، ليتداول قرب مستوى 78 روبلا للدولار، وهو قريب من مستوياته قبل نحو 4 سنوات. وعلى أساس سنوي، يُعد هذا الارتفاع الأقوى للعملة الروسية منذ عام 1994. هذا الأداء وضع الروبل في صدارة العملات العالمية أمام الدولار خلال 2025، متجاوزًا جميع العملات الرئيسية الأخرى، في مفارقة لافتة لاقتصاد يخضع لعقوبات واسعة.

مقرّ البنك المركزي الروسي في موسكو يجسّد دور السياسة النقدية في مواجهة تقلبات الروبل المتأثرة بتراجع الصادرات وأسعار النفط (غيتي)

عقوبات وفائدة مرتفعة وأسباب غير تقليدية

وتشير بلومبيرغ إلى أن أحد المحركات الأساسية لقوة الروبل يتمثل في الانخفاض الحاد في الطلب المحلي على العملات الأجنبية، نتيجة القيود والعقوبات الدولية. في الوقت نفسه، عززت السياسة النقدية المتشددة جاذبية الأصول المقومة بالروبل، بعدما أبقى البنك المركزي الروسي سعر الفائدة عند مستوى قياسي منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى يونيو/حزيران، قبل خفضه بإجمالي 5 نقاط مئوية إلى 16%.

هذا التشدد النقدي، وإن ساعد في دعم العملة، رفع كلفة الائتمان وضغط على النشاط الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت إجراءات الرقابة على رأس المال في الحد من خروج الأموال من البلاد، مما أدى إلى زيادة المعروض من الروبل في السوق المحلية.

ضغوط على الميزانية والمصدرين

ورغم أن الحكومة كانت قد قدّرت متوسط سعر الصرف هذا العام عند 91.2 روبلا للدولار، فقد واصل الروبل الصعود حتى مع تراجع أسعار النفط وتشديد العقوبات الأميركية والأوروبية، بحسب بلومبيرغ. وتحذر الوكالة من أن قوة العملة تقلّص إيرادات المصدّرين عند تحويلها إلى الروبل، مما يفاقم الضغوط على المالية العامة.

الروبل الروسي
الروبل المبالغ في تقييمه حسب خبراء يضعف الحوافز الاستثمارية في القطاعات غير الطاقية (شترستوك)

وتظهر بيانات وزارة المالية أن إيرادات النفط والغاز هبطت بنسبة 22% خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام، رغم تدخل البنك المركزي ووزارة المالية عبر بيع عملات أجنبية واليوان والذهب من صندوق الرفاه الوطني لتعويض النقص. الأسعار العالمية للنفط تلعب دوراً حاسماً في تحديد قوة الروبل، وأي تراجع كبير في الأسعار قد يضعف العملة.

من أداة لمحاربة التضخم إلى خطر ركود تضخمي

وتضع بلومبيرغ هذا الصعود في سياق مفارقة نقدية، فالبنك المركزي يرى في الروبل القوي عنصرًا مساعدًا في كبح التضخم، وقد أشارت محافظته إلفيرا نابيولينا إلى أن الأثر الانكماشي “لم يُستنفد بعد”. لكن اقتصاديين في معهد ستوليبين للنمو الاقتصادي يحذرون من أن استمرار الجمع بين عملة قوية وائتمان مرتفع الكلفة قد يدفع الاقتصاد نحو ركود تضخمي.

ويتوقع البنك المركزي أن يتباطأ النمو هذا العام إلى 0.5%–1%، مقارنة بـ4.3% في العام الماضي، في حين يرى خبراء أن الروبل المبالغ في قيمته يضعف تنافسية روسيا ويجعلها “تفقد مزاياها كقوة طاقة”. وقال ألكسندر شوخين، رئيس اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الروس، إن “روبلا أضعف سيكون في مصلحة المصدّرين والميزانية، بل والاقتصاد بأكمله”، في إشارة إلى تنامي الجدل داخل موسكو حول كلفة هذا الصعود النقدي.

من المتوقع أن يواصل البنك المركزي الروسي مراقبة تطورات سعر الصرف عن كثب، وقد يلجأ إلى إجراءات إضافية للحد من قوة الروبل إذا استمر في الارتفاع. يبقى مستقبل الروبل مرتبطًا بشكل كبير بتطورات الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية، وأسعار النفط العالمية، مما يجعل التنبؤ بمساره على المدى القصير أمرًا صعبًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى