Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

“بيروت المرفأ”.. معرض لبناني يربط تاريخ العاصمة بحاضرها

في قلب بيروت، يلقي معرضٌ جديد الضوء على العلاقة التاريخية المعقدة بين المدينة ومرفأ بيروت، مساراً عبر حقب الازدهار خلال الحكم العثماني، ثم الانتداب الفرنسي، وصولاً إلى الاستقلال، وأخيراً كارثة الانفجار المأساوية عام 2020. يهدف المعرض إلى استعادة الذاكرة الجماعية وتأثير المرفأ على هوية المدينة.

ينظم المعرض فريق من المهندسين المعماريين والباحثين والأكاديميين، بهدف تذكير الجمهور بتاريخ المرفأ الغني منذ عام 1830، وتأسيس رؤية شاملة لإعادة إعماره وتطويره، ترتبط بشكل وثيق بتاريخ بيروت وثقافتها المتنوعة. يشكل المعرض منصة للحوار حول مستقبل المرفأ ودوره في إعادة إحياء العاصمة.

مرفأ بيروت: شريان الحياة والذاكرة التاريخية

انطلق المعرض في الخامس من نوفمبر الحالي، ويستمر حتى فبراير القادم، مقدماً تجربة تفاعلية في الطابق الثالث من “بيت بيروت” أو “مبنى بركات”، وهو أحد أقدم وأشهر مباني بيروت الحديثة. يتيح المعرض للزوار استكشاف مراحل تطور المرفأ وتأثيره على النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة.

يعرض المعرض مجموعة واسعة من الوثائق التاريخية والصور والخرائط التي توثق تطور المرفأ عبر العصور، مؤكداً على أهمية ربط الميناء بتاريخ المدينة لاستعادة دورهما المتكامل. يؤكد القائمون على المعرض أن هذا الربط ضروري لإعادة بناء هوية بيروت كمدينة متوسطية مفتوحة على العالم.

يثير المعرض التأمل في الماضي من خلال اقتباسات أدبية، مثل قول الروائي اللبناني إلياس خوري: “بيروت مرفأٌ أُنشئت له مدينةٌ”. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المعرض شريط فيديو ثلاثي الأبعاد يوضح حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدينة والمرفأ على إثر الانفجار الكارثي.

الدمار يستحضر الماضي المؤلم

على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على الانفجار، لا تزال أجزاء كبيرة من المرفأ عبارة عن أراضٍ مهجورة ومدمّرة، شاهدة صامتة على حجم الخسائر. يشكل هذا الواقع تذكيراً دائماً بضرورة إيجاد حلول مستدامة لإعادة بناء المرفأ واستعادة دوره الحيوي.

خلّف انفجار المرفأ، الذي وقع في أغسطس 2020، أكثر من 220 قتيلاً وآلاف الجرحى، وما زالت التحقيقات القضائية مستمرة لتحديد ملابسات الحادث وأسبابه الحقيقية. تأخر التحقيقات يعيق عملية المساءلة وإعادة الثقة.

تسبب الانفجار، والذي يعتبر من بين أقوى الانفجارات غير النووية في التاريخ، بأضرار مادية هائلة في مناطق واسعة من بيروت، التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة. أدت الأضرار إلى تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة للسكان.

تشير التقديرات الرسمية إلى أن الانفجار وقع في العنبر رقم 12، الذي كان يحتوي على حوالي 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، والتي كانت مصادرة من سفينة وتركت مخزنة منذ عام 2014. تثير هذه التفاصيل تساؤلات حول إجراءات السلامة والإدارة في المرفأ.

تبلغ التكلفة التقديرية لإعادة إعمار وتطوير مرفأ بيروت ما بين 50 و100 مليون دولار، وفقاً لتقديرات حكومية. تعتمد هذه التكلفة على نطاق المشاريع والحلول الهندسية المعتمدة.

ازدهار بيروت بدأ بقرار عثماني

توضح هالة يونس، المهندسة المعمارية والباحثة والأستاذة الجامعية، ومنسقات المعرض، أن قراراً اتخذه الحكام العثمانيون لعب دوراً محورياً في تحويل بيروت من قرية إلى مدينة مزدهرة ومنفتحة على العالم. تركز يونس على أهمية فهم السياق التاريخي لبيروت.

وأضافت المهندسة في حديث لوكالة الأنباء، أن إنشاء مركز الحجر الصحي في بيروت عام 1832، نتيجة قرار عثماني، جعل المدينة والمرفأ نقطة عبور إلزامية للتجارة بين أوروبا والشرق، بهدف منع انتشار الأمراض. أدى هذا الإجراء إلى زيادة حركة السفن والتجار في بيروت.

تؤكد يونس أنه مع إقفال ميناء حيفا عام 1948، ازدهرت بيروت كمركز تجاري رئيسي في المنطقة، مما عزز مكانتها كملتقى ثقافي واقتصادي. لكن كارثة انفجار عام 2020 هددت هذه المكانة وأضفت بعداً جديداً إلى التحديات التي تواجه المدينة.

لا تزال العديد من المعالم والأبنية العثمانية شامخة في بيروت حتى اليوم، مثل السراي الحكومي الكبير، وقصر سرسق، وبرج الساعة الحميدية، وهي تشهد على حقبة تاريخية مهمة في تطور المدينة. تساهم هذه المعالم في الحفاظ على الذاكرة التاريخية لبيروت.

تحديات مستقبلية وإعادة الإعمار

تهدف منى حلاق، المهندسة المعمارية المشاركة في المعرض، إلى تعريف الجمهور بتاريخ المدينة وحاضرها، وتشجيعهم على المشاركة في بناء مستقبلها. تؤكد حلاق على أهمية دور المجتمع المدني في عملية إعادة الإعمار.

تشير حلاق إلى أن مستقبل المدينة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بماضيها، وأن إعادة بناء المرفأ يجب أن تأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من التاريخ. يتطلب هذا الأمر رؤية شاملة ومستدامة للتنمية.

من المتوقع أن يعقد مجلس الوزراء قريباً اجتماعاً لمناقشة خطة إعادة إعمار مرفأ بيروت، والتي تتضمن تخصيص التمويل اللازم وتحديد الأولويات. لا تزال هناك بعض الخلافات حول طبيعة الخطة والجهات المسؤولة عن تنفيذها. ويبقى مستقبل المرفأ معلقاً على نتائج التحقيقات الجارية والقرارات السياسية التي ستتخذ في الأسابيع القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى