ثورة محتملة في علاج السكري.. ابتكار يمكّن من توصيل الأنسولين عبر الجلد دون حقن

اقترب فريق بحثي من جامعة تشجيانغ الصينية من تحقيق تقدم كبير في علاج مرض السكري، وذلك بتطوير تركيبة موضعية جديدة لإيصال الأنسولين عبر الجلد. هذه التقنية الجديدة قد توفر بديلاً غير مؤلم لحقن الأنسولين التقليدية التي يعتمد عليها ملايين المرضى حول العالم. الهدف من هذا البحث هو إيجاد حلول أكثر فعالية وراحة لمرضى السُّكَّري.
أُعلنت النتائج الأولية لهذه الدراسة، التي أجريت على نماذج حيوانية وبشرية في المختبر، في مجلة “Nature” العلمية المرموقة. وتوضح الدراسات أن هذه الطريقة الموضعية تظهر كفاءة عالية في تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، بالإضافة إلى سلامتها الظاهرة حتى الآن. يأتي هذا التطور في وقت يزداد فيه عدد المصابين بمرض السكري على مستوى العالم، مما يجعل البحث عن علاجات مبتكرة أمرًا بالغ الأهمية.
طريقة جديدة لإيصال الأنسولين: ثورة في علاج السُّكَّري؟
لطالما كان إيصال الأنسولين، وهو بروتين كبير محب للماء، عبر الجلد تحديًا كبيرًا للباحثين. الجلد مصمم بشكل طبيعي لمنع مرور مثل هذه الجزيئات الكبيرة. ومع ذلك، تمكن فريق جامعة تشجيانغ من التغلب على هذا الحاجز باستخدام بوليمر مبتكر يُعرف باسم OP.
كيف يعمل البوليمر OP؟
يعتمد البوليمر OP على آلية فريدة تستغل الاختلافات في درجة الحموضة على سطح الجلد وفي طبقاته الداخلية. على سطح الجلد، يكون البوليمر مشحونًا إيجابًا، مما يجعله يلتصق بالدهون والزيوت الموجودة في الجلد ويثبته في مكانه.
مع اختراق البوليمر لطبقات أعمق من الجلد، تنخفض درجة الحموضة، مما يؤدي إلى فقدان البوليمر لشحنته. هذا الفقدان في الشحنة يسمح للبوليمر بالتحرك بحرية بين خلايا الجلد، ليصل إلى الأوعية الدموية ويطلق الأنسولين في مجرى الدم.
عند دمج الأنسولين مع البوليمر OP لتشكيل مركب OP-I، يصبح بإمكان هذا المركب توصيل الهرمون بكفاءة عالية إلى الأنسجة المستهدفة في الجسم.
أظهرت التجارب على الفئران والخنازير الصغيرة نتائج واعدة للغاية. فقد تمكن المركب OP-I من إعادة مستويات الجلوكوز في الدم إلى طبيعتها خلال ساعة واحدة فقط، واستمر تأثيره لمدة تصل إلى 12 ساعة. هذه الفعالية تقارب تلك التي تحققها الحقن التقليدية للأنسولين.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التحاليل أن المركب يتركز بشكل أساسي في الأنسجة الرئيسية المسؤولة عن تنظيم السكر في الجسم، مثل الكبد والعضلات والأنسجة الدهنية. الأهم من ذلك، لم يتم تسجيل أي علامات للالتهاب أو آثار جانبية سلبية خلال هذه التجارب، مما يشير إلى أن المركب آمن للاستخدام في هذه المرحلة المبكرة من التطوير. هذه النتائج تعزز إمكانية تطوير علاجات جديدة لمرض السكري من النوع الثاني.
لا يقتصر تأثير هذه التقنية على علاج السكري فحسب، بل قد يفتح الباب أمام توصيل مجموعة واسعة من الجزيئات الحيوية الكبيرة عبر الجلد. يشمل ذلك البروتينات والببتيدات والأحماض النووية، مما قد يؤدي إلى تطوير علاجات غير جراحية جديدة لأمراض أخرى. هذا التطور يمثل خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر راحة وفعالية في تقديم العلاج الدوائي.
ومع ذلك، من المهم التأكيد على أن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها المبكرة. التجارب على الحيوانات لا تضمن بالضرورة نفس النتائج على البشر. لذلك، هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات السريرية على نطاق واسع لتقييم فعالية وسلامة هذه التقنية بشكل كامل على المرضى المصابين بالسكري. هذه الدراسات ستتطلب وقتًا وجهدًا وموارد كبيرة.
من المتوقع أن تبدأ المرحلة الأولى من التجارب السريرية على البشر في غضون العامين المقبلين، مع التركيز على تقييم الجرعات المثلى وتحديد أي آثار جانبية محتملة. يعتبر نجاح هذه التجارب السريرية خطوة حاسمة نحو تحويل هذه التقنية الواعدة إلى علاج متاح لمرضى السكري حول العالم.
بشكل عام، يمثل هذا البحث نقلة نوعية في مجال علاج السكري، ويفتح آفاقًا جديدة لتطوير علاجات غير جراحية أكثر فعالية وراحة. ومع ذلك، يبقى هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به قبل أن نتمكن من القول بثقة إننا على أعتاب ثورة في علاج هذا المرض المزمن.





