جراح لا تندمل.. كيف حطمت سجون الأسد أرواح معتقلين رغم الحرية؟
في زوايا مُظلمة من دمشق، حيث تختلط ذكريات الماضي بألم الحاضر، يعيش معتقلون سوريون سابقون محررون من سجون نظام بشار الأسد كابوسا لم ينته بعد.
فرغم خروجهم من خلف القضبان، تظل جروح التعذيب والعزل والحرمان تُلاحق أرواحهم، محوّلة “الحرية” إلى رحلة عذاب جديدة بين ذكريات لا تُنسى وواقع مُنهك.
وكما رصد مراسل الجزيرة تامر الصمادي من داخل أحد مشافي الأمراض النفسية بالعاصمة السورية، فإن لحظة الإفراج لم تكن نهاية المعاناة، بل بداية صراع آخر.
فبين الجدران الباردة للمشفى، تتردد أصداء صراخ لم يُسمع من قبل، أرواحٌ عانت لتبقى على قيد الحياة، لكنها خرجت من السجون بذاكرة ممزقة وأحلام مُحطمة.
“الحياة توقفت عند كثير منهم”، يقول الصمادي، مشيرا إلى أن كل مريض هنا يحمل قصة كئيبة من الألم، كتلك التي يحملها “علي”، الشاب الذي عُثر عليه في سجن صيدنايا الشهير يوم سقوط النظام، ولا يتذكر اسمه، ولا يعرف شيئا عن ماضيه.
يقول شقيق علي الذي يخفي عن والدته حقيقة حاله المريرة ورفض الظهور أمام الكاميرا خوفا على مشاعر عائلته: “كان إنسانًا طبيعيا.. موظفا وحلاقا قبل اختفائه في 2018”.
اسمي.. انتهى!
وعندما أُفرج عن “علي” بعد سنوات، وجدوه كـ”إنسان انتهت حياته”، كما يصف شقيقه الذي يضيف: “بيحكي عن حاله أنه يتيم، اسمه انتهى.. إذا قلت له: أنا أخوك، يضوي بلا رد”.
ليست ذاكرة “علي” وحدها التي سُلبت، فشاب آخر خرج من ظلمة السجن بلا ذكريات ولا أمل، وعند سؤاله “شو بتتذكر؟” يرد بوجوم: “ما بتذكر شيء”.
التعذيب النفسي والجسدي الذي تعرض له المعتقلون خلَّف صدمات تحتاج إلى سنوات من العلاج، لكن خدمات الصحة النفسية في سوريا، كما يوضح أحد القائمين على المشفى، تعاني من تداعيات الحرب، فالكوادر المؤهلة غادرت، والخبرات الكبيرة سافرت، مضيفا “هذه الفجوة لم تُردم حتى الآن”.
وخارج أسوار المشفى، يحاول فريق تطوعي سوري في 4 مدن أن يكون خيط أمل لهؤلاء الناجين، يزورون المعتقلين السابقين، ويُجمعون بيانات عن احتياجاتهم، ويحاولون دعمهم نفسيا واجتماعيا.
ويقول أحد المتطوفين في هذا الفريق: “الصدمات متعددة.. صدمة الاعتقال، وصدمة الخروج إلى مجتمع تغير، وصدمة اكتشاف أن الأهل لم يعودوا كما كانوا”.
لكن بعض الجراح أعمق من أن تندمل، فأحمد، الذي قضى 7 سنوات في السجن لكونه عبر عن رأيه، يعيش اليوم مع عمته بعد أن تيتم، في حين أفقدته سنوات الاعتقال الأمل، وحولت كوابيس الزنزانة إلى واقع يومي.
تقول عمته للجزيرة: “الوقت اللي بتجي هاللحظة هي أصعب إشي.. أعصابي بتنهدَر، بتعب كثير، روحنا تعبت”، وحتى عندما يحاول التفاؤل، تعود ذكريات السجن لتطارد عقله حيث يقول: “أيام بقعد لحالي، برجع أتذكر بصير موجوع، بضلّلي راسي يوجعني وما بقدر أتوازن”.