خطة سلام ترامب ومصير مظلة أميركا الأمنية لأوروبا

واشنطن – يثير التعهد المتكرر للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالسير على خطى سلفه جورج واشنطن في الابتعاد عن التحالفات الدائمة قلقًا متزايدًا في أوروبا، خاصةً فيما يتعلق بمستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو). ففي عام 1796، حذّر واشنطن من “التعلق بسياسات خارجية”، إلا أن الظروف اختلفت بشدة منذ ذلك الحين، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تتجدد المخاوف من إضعاف هذا الحلف الذي ظل حجر الزاوية للأمن الغربي لعقود.
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى انقسام في الرأي العام الأميركي حول الناتو، حيث يرى ما يقرب من الثلث عدم جدوى الاستمرار في هذا الحلف. هذا التوجه الشعبوي يضاف إلى تصريحات ترامب المثيرة للجدل، مما يضع مستقبل الحلف على المحك، ويثير تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بدعم أمن أوروبا في مواجهة التحديات المتزايدة كالتوتر المتصاعد مع روسيا.
خطة ترامب للناتو والمخاوف الأوروبية
تأتي المخاوف الحالية في أعقاب طرح ترامب خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي تتضمن تنازلات قد تعتبرها كييف والغرب غير مقبولة. الخطة، التي بدأت بـ 28 نقطة ثم عدلت إلى 19، ركزت على إيجاد حلول وسط مع موسكو، وهو ما أثار انتقادات واسعة النطاق من قبل خبراء السياسة الخارجية والدبلوماسيين.
ويرى المحللون أن هذه الخطة تعكس رغبة ترامب في تقليل التدخل الأميركي في الصراعات الخارجية، والتركيز على القضايا الداخلية، فضلاً عن شكوكه حول فعالية الناتو في حماية مصالح الولايات المتحدة. وهذا يختلف بشكل كبير عن النهج التقليدي الذي تبنته الإدارات الأميركية السابقة، والذي يؤكد على أهمية الحلف في الحفاظ على الاستقرار العالمي.
التأثير المحتمل على الأمن الأوروبي
منذ الحرب العالمية الثانية، اعتمدت أوروبا الغربية بشكل كبير على المظلة الأمنية التي توفرها الولايات المتحدة من خلال الناتو. وقد أدت هذه العلاقة إلى فترة طويلة من السلام والازدهار، لكنها أثارت أيضًا انتقادات حول الاعتماد المفرط على واشنطن وعدم بذل جهود كافية لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية المستقلة.
لكن مع ظهور ترامب، أصبحت هذه المظلة الأمنية مهددة بالانهيار. فقد دعا ترامب بشكل متكرر إلى زيادة مساهمات الدول الأوروبية في ميزانية الناتو، وهدد بسحب الدعم الأميركي إذا لم تف هذه الدول بالتزاماتها. ويؤكد أن أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها دون الحاجة إلى تدخل الولايات المتحدة.
يرى دبلوماسيون أن هذا الموقف قد يدفع أوروبا إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الأمنية، والبحث عن طرق لتعزيز التعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. قد يشمل ذلك زيادة الإنفاق الدفاعي، وتطوير قدرات عسكرية مشتركة، والسعي إلى علاقات أكثر توازناً مع الولايات المتحدة.
مستقبل الالتزام الأميركي تجاه الناتو
يشدد الخبراء على أن مستقبل الناتو يعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة. ففي حال فوز ترامب، من المرجح أن يستمر في الضغط على الدول الأوروبية لزيادة مساهماتها في الحلف، وقد يتجه إلى تقليل الوجود العسكري الأميركي في أوروبا. بالمقابل، إذا فاز مرشح ديمقراطي، فمن المتوقع أن يعود الناتو إلى دوره التقليدي كركيزة أساسية للأمن الغربي.
ورغم التحديات، يرى البعض أن الناتو لا يزال قوة ضرورية للحفاظ على الاستقرار في أوروبا. ويشيرون إلى أن الحلف لعب دورًا مهمًا في ردع العدوان الروسي، وأنه يوفر منصة مهمة للتعاون العسكري والسياسي بين الدول الأعضاء. كما أن التهديدات الأمنية الجديدة، مثل الإرهاب والهجمات السيبرانية، تتطلب استجابة جماعية من قبل الحلف. الإرهاب الدولي، على سبيل المثال، يشكل تحديًا عالميًا يتطلب تعاونًا متعدد الأطراف.
يشير ماثيو والين، الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأميركي إلى أن روسيا تسعى باستمرار إلى إضعاف الناتو وإزالة أي وجود عسكري للحلف بالقرب من حدودها. ويضيف أن الحفاظ على وجود عسكري قوي للناتو في أوروبا الشرقية ضروري لردع أي هجمات روسية مستقبلية.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، تتزايد أهمية الناتو في دعم الأمن الأوروبي. لكن مستقبل الحلف سيبقى غير مؤكد حتى يتم اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الالتزام الأميركي. من المرجح أن يشهد الأشهر القليلة القادمة نقاشات مكثفة حول هذه القضايا، وأن تشكل هذه النقاشات مسار الناتو في المستقبل المنظور.
في الختام، يظل مستقبل الناتو معلقًا على نتائج السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. يتوقع أن يشهد الحلف تحولات كبيرة في السنوات القادمة، وأن يتأثر بشكل كبير بالتطورات الجيوسياسية المستمرة. تعتبر مواقف الدول الأوروبية وجهودها لتعزيز دفاعها الذاتي من العوامل الحاسمة التي ستحدد قدرة الناتو على التكيف مع هذه التحديات.





