رئيس المجلس الأوروبي: لن نقبل بتدخلات وتهديدات أميركا في سياساتنا

أكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بأي شكل من أشكال التدخل في سياساته الداخلية، وذلك ردًا على الإستراتيجية الأمنية القومية الجديدة التي كشفت عنها الولايات المتحدة والتي تضمنت انتقادات لاذعة للسياسات الأوروبية. التصريحات أشارت إلى تصاعد التوترات بين الجانبين حول قضايا أساسية مثل الهجرة والحريات السياسية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل التحالف عبر الأطلسي. هذه القضية المتعلقة بالسيادة الأوروبية أصبحت الآن في صلب النقاش السياسي.
جاء رد كوستا خلال خطاب ألقاه في معهد جاك ديلور، حيث شدد على أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يسمح لأي طرف خارجي بتحديد مساره السياسي أو بتقييم الأحزاب التي تمثل إرادة الشعوب الأوروبية. وأضاف أن الدور ينبغي أن يقتصر على المواطنين الأوروبيين أنفسهم لاختيار من يحكمهم، وهو ما يمثل مبدأ أساسيًا في الديمقراطية.
انتقادات أمريكية للقيم الأوروبية والسيادة
أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن وثيقة “إستراتيجية الأمن القومي” الجديدة يوم الجمعة، والتي انتقدت بشدة العديد من السياسات المتبعة في أوروبا. الوثيقة الأمريكية أعربت عن دعمها للمعارضين للقيم التي يتبناها الاتحاد الأوروبي، وخاصة في مجال الهجرة، واعتبرت هذه السياسات تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. تعكس هذه الإستراتيجية تحولًا في الأولويات الأمريكية واتجاهًا نحو تبني سياسة خارجية أكثر تدخلًا.
كما انتقدت الوثيقة الأوروبية بسبب ما وصفته بـ “تقويض الحرية السياسية والسيادة”، والقيود المفروضة على حرية التعبير، وقمع المعارضة السياسية، والانخفاض في معدلات الإنجاب، والتراجع في الهوية الوطنية والثقة بالنفس في القارة. هذه الانتقادات اللاذعة أثارت استياءً واسعًا في الأوساط السياسية الأوروبية.
التأثير على العلاقات عبر الأطلسي
أشار كوستا إلى وجود اختلافات في الرؤى بين أوروبا والولايات المتحدة، لكنه أكد أن ما يحدث يتجاوز مجرد الاختلاف في وجهات النظر. وأضاف أن الإستراتيجية الأمريكية تتعدى على السيادة الأوروبية، وهو أمر غير مقبول. هذا الخلاف قد يؤثر سلبًا على التعاون الأمني والاقتصادي بين الجانبين.
كما أكد كوستا على أن أوروبا يجب أن تكون صاحبة القرار في شؤونها الخاصة، وأن الولايات المتحدة يجب أن تحترم ذلك. وشدد على أهمية احترام مبدأ السيادة المتبادلة بين الدول الحليفة. هذا الموقف يأتي في سياق سعي أوروبا لتعزيز دورها كقوة مستقلة على الساحة الدولية.
وكان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس قد أثار جدلاً واسعًا في فبراير/شباط الماضي، عندما صرح بأن حرية التعبير “تتراجع” في أوروبا، خلال كلمة ألقاها في مؤتمر ميونخ للأمن. تصريحات فانس أثارت انتقادات واسعة من المسؤولين الأوروبيين الذين اعتبروها تدخلًا سافرًا في شؤونهم الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، يراقب المراقبون عن كثب التطورات المتعلقة بالتعاون الأمني والتجاري بين الولايات المتحدة وأوروبا.
هذا الوضع يذكرنا بالخلافات السابقة حول قضايا مثل اتفاقية المناخ بباريس والبرنامج النووي الإيراني، حيث اتبعت الولايات المتحدة سياسات أحادية الجانب أثارت استياءً أوروبيًا. في المقابل، دعت بعض الأصوات في أوروبا إلى تعزيز التكامل الأوروبي وتقوية دور الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات العالمية. تتزايد أهمية الأمن القومي في هذه الفترة، ويظهر ذلك بوضوح في الاستراتيجيات التي تعتمدها الدول الكبرى.
ردود الفعل الأوروبية وتداعياتها
أثارت الإستراتيجية الأمريكية ردود فعل متباينة في أوروبا. ففي حين أبدى بعض المسؤولين تفهمًا للمخاوف الأمريكية، انتقد آخرون لهجة الوثيقة وتجاوزها للخطوط الحمراء. هذا التباين في المواقف يعكس الانقسامات الداخلية في أوروبا حول قضايا رئيسية مثل الهجرة والعلاقات مع الولايات المتحدة. وتعتبر قضية الهجرة من القضايا الشائكة التي تثير خلافات حادة بين الدول الأوروبية.
من المتوقع أن تتصاعد المناقشات حول هذه القضية في الأيام القادمة، وأن يبحث المسؤولون الأوروبيون عن سبل لتهدئة التوترات مع الولايات المتحدة. يشمل ذلك إجراء حوارات بناءة وتوضيح المواقف المتبادلة. السيادة الأوروبية أصبحت الآن تحت المجهر، والجميع ينتظرون رد فعل أكثر وضوحًا من الاتحاد الأوروبي.
في الختام، من المنتظر أن يعقد المجلس الأوروبي اجتماعًا طارئًا الأسبوع القادم لمناقشة هذه الإستراتيجية واتخاذ موقف موحد. من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان هذا الاجتماع سيؤدي إلى حل الخلافات، أم أنه سيؤكد على وجود هوة عميقة بين أوروبا والولايات المتحدة. يجب متابعة التطورات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية والمفاوضات الجارية بين الجانبين.





