زحف الكثبان الرملية يهدد الواحات الأخيرة بالصحراء الكبرى

تواجه الواحات في تشاد، وهي شريان الحياة لسكان الصحراء الكبرى، خطرًا متزايدًا بسبب التغير المناخي والتصحر. تشير تقارير حديثة إلى أن هذه الواحات، التي كانت عبر التاريخ مصدرًا للمياه والغذاء، تختفي بوتيرة متسارعة، مما يهدد المجتمعات المحلية ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية. وتعتبر واحة كاو في إقليم كانيم غرب تشاد مثالًا صارخًا على هذا التحدي.
أزمة الواحات في تشاد: تهديد وجودي للمجتمعات المحلية
تعتبر تشاد من بين الدول الأكثر عرضة لتأثيرات التغير المناخي، حيث ترتفع درجات الحرارة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي. هذا الارتفاع في درجة الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر وتدهور الأراضي الزراعية، مما يهدد الواحات ويجعلها أكثر عرضة للزحف الرملي. وفقًا لصحفيين في الغارديان، فإن واحة كاو تبدو كجزيرة خضراء محاصرة بمحيط من الرمال، لكنها تواجه خطرًا حقيقيًا بالزوال.
تأثير التغير المناخي على الموارد المائية
يعتمد سكان واحة كاو بشكل كامل على المياه المتوفرة في الواحة للزراعة والشرب وتربية الحيوانات. ومع انخفاض منسوب المياه الجوفية وتدهور مصادر المياه السطحية، يواجه المزارعون صعوبات متزايدة في الحفاظ على محاصيلهم. يؤكد الزعيم المحلي محمد سليمان عيسى أن بقاء الأهالي مرتبط ببقاء هذا الوادي، فهو مصدر المياه والغذاء الوحيد لهم.
جهود مجتمعية محدودة لمواجهة التصحر
يبذل السكان المحليون جهودًا مضنية لمواجهة زحف الرمال من خلال بناء حواجز من سعف النخيل. في عام 2023، قدمت منظمة “سوس الساحل” دعمًا ماليًا وتقنيًا لإنشاء نظام ري يعمل بالطاقة الشمسية وتدريب المزارعين على تقنيات زراعية جديدة. الزراعة المستدامة أصبحت ضرورة ملحة. ومع ذلك، توقف التمويل بعد ستة أشهر فقط، مما أعاد الأهالي إلى مواجهة الخطر وحدهم.
النزوح والهجرة: نتيجة حتمية لتدهور الواحات
يشير تقرير الغارديان إلى أن الظروف القاسية دفعت العديد من الشباب إلى الهجرة نحو مناطق أخرى بحثًا عن فرص عمل، خاصة في مناجم الذهب في منطقة تيبستي. هذه الهجرة تؤدي إلى تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الواحات، حيث تفقد المجتمعات المحلية قواها العاملة الشابة. التصحر يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة.
قصص من واحة كاو: معاناة وتحديات
تشارك هيريتا أبكر عيسى، وهي أم لسبعة أطفال، تجربتها في زراعة خضروات جديدة مثل الباميا والطماطم، لكنها تعبر عن قلقها من استمرار زحف الرمال. وتقول إن اختفاء الواحة سيضطرهم إلى الرحيل. عمر عيسى، الذي عمل في مناجم الذهب قبل أن يعود إلى قريته بعد سماعه بمشاريع “سوس الساحل”، يخشى من العودة إلى المناجم إذا توقف الدعم.
أهمية الاستثمار طويل الأمد في حماية الواحات
تبرز تجربة واحة باركادروسو المجاورة أهمية الدعم المستدام في حماية الواحات. فلا تزال المضخة الشمسية التي تم تركيبها عام 2014 تدعم أكثر من 300 مزارع وتوفر الغذاء لنحو 3000 شخص. هذا النجاح يبرهن على أن الاستثمار طويل الأمد يمكن أن يحافظ على الواحات ويمنع النزوح. إدارة الموارد المائية بشكل فعال أمر بالغ الأهمية.
في الختام، يظل مستقبل المجتمعات الصحراوية في تشاد معلقًا بين التحديات المناخية وغياب الدعم المستمر. من المتوقع أن تقوم الحكومة التشادية بالتعاون مع المنظمات الدولية بتقييم الوضع في واحة كاو والواحات الأخرى المتضررة خلال الأشهر القليلة القادمة، بهدف وضع خطة عمل شاملة لحماية هذه الموارد الحيوية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الخطة يعتمد على توفير التمويل الكافي والاستمرار في تقديم الدعم الفني للمجتمعات المحلية.





