سوريا والتصدي للتهديدات الخارجية

احتفل الشعب السوري في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي بيوم التحرر من الاستبداد، وهو مناسبة تاريخية تعكس تطلعات السوريين نحو مستقبل أفضل بعد سنوات طويلة من الصراع والمعاناة. شهدت المدن السورية، من دمشق إلى حلب وإدلب، مظاهر فرح غامرة، تعبيراً عن الأمل في بناء دولة حرة ومستقلة. هذا التحرر، الذي يمثل نقطة تحول في تاريخ سوريا، يواجه تحديات كبيرة تتطلب جهوداً مضاعفة لترسيخ قيم الديمقراطية والعدالة، وتحقيق الاستقرار والازدهار للشعب السوري. التحرر من الاستبداد هو جوهر هذه المرحلة الجديدة، ويحمل في طياته مسؤولية الحفاظ على إنجازات الثورة وتجاوز العقبات التي تعترض طريقها.
على الرغم من مرور عام على سقوط النظام السابق، لا تزال سوريا تواجه صعوبات جمة في مسيرة إعادة الإعمار والتنمية. نجحت الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع في معالجة بعض الملفات الشائكة، مثل تهدئة الأوضاع في الساحل السوري، والتواصل مع مكونات محافظة السويداء، والتوصل إلى تفاهمات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالإضافة إلى تعليق بعض العقوبات الدولية. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلاً ومليئاً بالمخاطر، ويتطلب تضافر الجهود من جميع السوريين.
تحديات تواجه سوريا في مرحلة التحرر من الاستبداد
تواجه سوريا الجديدة مجموعة من التحديات المعقدة التي تهدد استقرارها ووحدة أراضيها. من أبرز هذه التحديات استمرار التدخلات الخارجية، والتهديدات الأمنية، والأزمات الاقتصادية، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإعادة بناء الثقة بين جميع المكونات السورية.
العدوان الإسرائيلي المستمر
يشكل العدوان الإسرائيلي المستمر تهديداً خطيراً على سوريا واستقرارها. تحتل إسرائيل أراضٍ سورية في الجولان، وتواصل قصف الأهداف السورية بذريعة الأمن القومي. هذا التدخل الإسرائيلي يعيق جهود إعادة الإعمار والتنمية، ويؤجج التوترات في المنطقة. وتدعم إسرائيل أيضاً بعض الجماعات الانفصالية في سوريا، مما يزيد من تعقيد الوضع.
ازدواجية الموقف الأميركي
تتبنى الولايات المتحدة مواقف متناقضة بشأن سوريا. فمن جهة، تعلن دعمها لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ومن جهة أخرى، تواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق الفرات، وتفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية. هذه الازدواجية في الموقف الأميركي تعيق جهود تحقيق الاستقرار في سوريا، وتزيد من معاناة الشعب السوري. وتشترط واشنطن رفع العقوبات بشروط معينة، مما يعكس عدم ثقتها الكاملة في المسار السياسي الحالي.
السلم الأهلي والأقليات الانفصالية
يعد إرساء السلم الأهلي وتحقيق المصالحة الوطنية من أهم التحديات التي تواجه سوريا. يجب على الحكومة السورية أن تتبنى سياسة شاملة تضمن حقوق جميع المكونات السورية، وتعمل على معالجة مظالم الماضي. كما يجب عليها أن تتصدى لأي محاولات لتقويض وحدة سوريا، سواء كانت من قبل الجماعات الانفصالية أو القوى الخارجية. يتطلب ذلك حواراً وطنياً بناءً يجمع جميع السوريين حول رؤية مشتركة للمستقبل.
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها
تعاني سوريا من أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بسبب سنوات الحرب والعقوبات الدولية. ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدهور قيمة الليرة السورية، ونقص السلع الأساسية، كلها عوامل تزيد من معاناة الشعب السوري. يتطلب تجاوز هذه الأزمة تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل للشباب.
بالإضافة إلى هذه التحديات، تواجه سوريا أيضاً تحديات أخرى مثل مكافحة الإرهاب، وإعادة النازحين واللاجئين، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. يتطلب تحقيق الاستقرار والازدهار في سوريا جهوداً مضاعفة من جميع الأطراف المعنية، وتعاوناً إقليمياً ودولياً بناءً.
في الختام، يمثل التحرر من الاستبداد في سوريا بداية مرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص. يتطلب تحقيق الاستقرار والازدهار في سوريا تضافر الجهود من جميع السوريين، وتعاوناً إقليمياً ودولياً بناءً. من المتوقع أن يشهد مجلس النواب تصويتاً على رفع العقوبات في 11 ديسمبر/كانون الأول، وهو ما قد يمثل نقطة تحول في مسار سوريا نحو التعافي. يبقى الوضع متقلباً، ويتطلب مراقبة دقيقة للتطورات السياسية والأمنية والاقتصادية في سوريا.





