صدام حسين وليلة إعدام حليفه ناظم كزار

شهد العراق تحولات جذرية على مدار عقود، بدءًا من فترة الاحتلال البريطاني، مرورًا بصراعات السلطة والانقلابات، وصولًا إلى حقبة حكم صدام حسين. وفي خضم هذه الأحداث المضطربة، برزت شخصيات وسقطت أخرى، غالبًا ما كانت ضحية المكائد السياسية وصراع النفوذ. من بين هؤلاء، يبرز اسم ناظم كزار، الرجل الذي كان له دور محوري في أجهزة الأمن العراقية، والذي انتهى به المطاف ضحية لنظام بناه بنفسه. هذه المقالة تتناول حياة كزار، صعوده إلى السلطة، وسقوطه المأساوي.
وُلد ناظم كزار في بيئة عراقية متقلبة، وعلى الرغم من نشأته المتواضعة، أظهر طموحًا مبكرًا وانضباطًا شخصيًا لافتًا. بدأت مسيرته الدراسية بنجاح، لكن الظروف الاقتصادية الصعبة أجبرته على العمل للمساعدة في إعالة أسرته، مما أتاح له فرصة التعرف على واقع العمال وصراعاتهم. ومع سقوط النظام الملكي العراقي عام 1958، انخرط كزار في العمل الحزبي السري، ليشق طريقه في عالم السياسة والأمن.
سنوات المحن وصعود ناظم كزار
لم يكن طريق كزار مفروشًا بالورود. فبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، التحق بكلية الطب في جامعة بغداد، لكن نشاطه السياسي في صفوف حزب البعث أدى إلى فصله من الجامعة بتهمة المعارضة للنظام الجديد. لم ييأس كزار، بل حاول الالتحاق بكلية الهندسة، لكن مصيره كان مماثلاً، ليجد نفسه مجددًا مطرودًا من مقاعد الدراسة. انتهى به المطاف في معهد الهندسة الصناعي العالي، حيث أكمل دراسته بينما استمر في عمله الحزبي السري.
كانت فترة الستينيات فترة صراعات حادة بين الرئيس عبد الكريم قاسم وحزب البعث، واضطر كزار إلى العمل في الخفاء لتجنب الملاحقة الأمنية. وبعد انقلاب 17 تموز/يوليو 1968، الذي أعاد البعثيين إلى السلطة، بدأ نجم كزار في الصعود. تمكن من إثبات كفاءته وولائه للحزب، وسرعان ما أصبح أحد المقربين من القيادة الجديدة، وعلى رأسها أحمد حسن البكر وصدام حسين.
التنصيب في جهاز الأمن العام
في عام 1969، تم تعيين ناظم كزار مديرًا عامًا للأمن العام، وهو منصب رفيع المستوى يمنحه سلطة واسعة على أجهزة الأمن والمخابرات العراقية. على الرغم من أنه كان مدنيًا، إلا أنه تمت ترقيته إلى رتبة لواء، مما يعكس الثقة الكبيرة التي كانت القيادة توليها له. وبدأ كزار على الفور في تشكيل جهازه الأمني الخاص، وتعبئة المناصب بمواليه.
شكل كزار جهازاً أمنياً قوياً، اشتهر بقسوته وفعاليته في قمع المعارضة. أنشأ مراكز تحقيق وسجون سرية، من بينها قصر النهاية، الذي أصبح رمزًا للتعذيب والقتل. واشتهر كزار بتطبيقه القانون بشكل صارم، ولا يتردد في إلقاء القبض على أي شخص يشتبه في معارضته للنظام. وقد ساهم في ترسيخ سلطة صدام حسين في البلاد.
تدهور العلاقة والانقلاب الفاشل
مع مرور الوقت، بدأ صدام حسين في ترسيخ نفوذه وسيطرته على الدولة العراقية، الأمر الذي أثار قلق كزار. أدرك كزار أن صدام يسعى إلى تهميشه وإقصائه عن السلطة، فقرر التحرك على الفور لتأمين مستقبله السياسي. ومع سفر الرئيس البكر في زيارة خارجية، رأى كزار في ذلك فرصة سانحة لتنفيذ انقلاب مضاد.
في أواخر يونيو/حزيران 1973، حاول ناظم كزار الانقلاب على قيادة حزب البعث والدولة. خطط للاستيلاء على السلطة بمساعدة بعض الضباط والمسؤولين المقربين منه، ولكن خطته باءت بالفشل. واكتشف صدام حسين تحركات كزار وعمل على إفشالها، وقام بتطويق بغداد وإلقاء القبض على كزار ورفاقه.
النهاية المأساوية والمصير المجهول
بعد فشل الانقلاب، نُقل ناظم كزار إلى قصر النهاية، حيث تم تعذيبه بتحضيرات صدام حسين. لم يتم الإعلان عن محاكمته رسميًا، بل جرت في ظروف سرية للغاية. وفي نهاية المطاف، صدر حكم بالإعدام على كزار وعدد من المتآمرين معه، ونُفّذ الحكم بسرعة ودون أي مراعاة للإجراءات القانونية.
ظل مصير ناظم كزار مجهولاً لفترة طويلة، ولم يتم الإعلان عن وفاته بشكل رسمي. وقد أثارت هذه السرية الكثير من التساؤلات والشكوك حول ملابسات وفاته. وتداول أقاويل عن أن صدام حسين كان قد أشرف شخصيًا على إعدام كزار، وأنه قام بتنفيذ الحكم بنفسه.
تبقى قصة ناظم كزار بمثابة عبرة لكل من تسول له نفسه التلاعب بمصائر الشعوب. فقد كان رمزًا للطغيان والقمع، وسقط ضحية لنظام بناه بنفسه. ولا تزال التحقيقات مستمرة لكشف المزيد من الحقائق حول حياته وموته، وما يترتب عليه من آثار على مستقبل العراق.





