“فلسطين.. شعب لا يريد الموت”.. كتاب جديد لآلان غريش
“فلسطين شعب لا يريد الموت” كتاب جديد لآلان غريش الصحفي الفرنسي والكاتب المتخصص في قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي، ألّفه بعد شهور قليلة من أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب الإسرائيلية على غزة، كتبه على عجل لأنه لا يهم حربا تتعلق فقط بفلسطين ومستقبل الفلسطينيين، بل مستقبل الشرق الأوسط والعالم كله.
يذكر غريش في مقدمة الكتاب دواعي التأليف، ومنها أن الحرب على غزة عرفت من التضليل والافتراءات نادرا ما عرفته حرب أخرى، والتي تسعى إلى محو العمق التاريخي لأزمة وقضية تتجدد مع كل حرب.
اقرأ أيضا
list of 2 items
عن فلسطين.. في مرآة نعوم تشومسكي وإيلان بابيه
مثقفو الاستعمار الجديد في عصر النيوليبرالية.. بوعلام صنصال أنموذجا
end of list
الكتاب وإن كان عملا شخصيا لآلان غريش إلا أنه ثمرة تفكير جماعي لمحرري وكتاب في طاقم مجلة “أوريان 21” الإلكترونية التي يديرها.
تناول الكتاب عبر 6 فصول وملحق بالاستناد إلى مصادر صحفية وتاريخية وسياسية متنوعة جديد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والوضع في فلسطين بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والحرب الإسرائيلية على غزة بتشعباتها العسكرية والإنسانية والاجتماعية والسياسية والإعلامية وتداعياتها الإقليمية والدولية والإستراتيجية.
واستحضر الكتاب محطات تاريخية للصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومقارنات مع سوابق استعمارية للغرب في العالم العربي الإسلامي، خاصة في الجزائر.
إعلان
وذكّر المؤلف في ثنايا الكتاب بتاريخ دخول الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية ومحطات حربه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وكذلك واقع الواقع السياسي الفلسطيني وأبرز إشكالاته.
وسلط الكتاب الضوء على النفاق الغربي وازدواجية معاييره وتعامله، والمعركة الإعلامية والسياسة الفرنسية وتبعيتها، والتي وصفها بالمخزية لحكومة إسرائيل والإدارة الأميركية في التعامل مع أحداث غزة.
معاناة شعب وتاريخ احتلال
ويؤكد الكتاب منذ البداية أن ما يحدث في قطاع غزة يتجاوز حدوده الصغيرة، ويعكس محنة الشعب الفلسطيني التي امتدت لعقود (تهجير قسري، وحصار، واحتلال، واعتداءات متكررة)، محنة ليست مجرد نتيجة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل تعود جذورها إلى استعمار واحتلال لم ينتهِ ونظام عالمي يدعمه ويتجاهل الحقوق الفلسطينية.
وينبّه إلى أن الحرب على غزة بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جسدت رغبة في إبادة الشعب الفلسطيني تطبيقا لمقولة مؤلف كتاب “عن الحرب” الجنرال كارل فون كلاوزفيتز “يجب تقييد الخصم لتنفيذ إرادتنا”، وهي القناعة التي يتقاسمها قادة دولة الاحتلال ويعتقدون أن الحرب هي السبيل لإجبار الفلسطينيين على الاستسلام والاقتناع بأنهم شعب مهزوم.
ويشرح الكتاب كيف باتت تلك الحرب من أكثر الحروب تدميرا في العصر الحديث حوّلت غزة إلى مركز صراع عالمي وعنوان أزمة عالمية تتشابك فيها القضايا المحلية مع الصراعات الإقليمية والجيوسياسية وتكشف هشاشة النظام الدولي وضعف مؤسسات الأمم المتحدة والانتهاك الممنهج للقوانين الدولية برعاية غربية عمّقت الفجوة بين الغرب وبقية العالم وكشفت نفاقه وازدواجية معاييره.
لكنها في الوقت نفسه -يقول الكتاب- أثبتت أن الشعب الفلسطيني صامد مقاوم لا يموت، ينبعث من تحت الرماد ويولد من جديد رغم كل أساليب القتل والاعتقال وسياسة الاستيطان والحصار الذي حوّل غزة إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.
الذاكرة أداة للمقاومة
وفي السياق، استعرض غريش الخبير والمطلع على تاريخ القضية محطات من مقاومة الشعب الفلسطيني رغم صعوبة الظروف، جيلا عن جيل بانتفاضات متوالية وأشكال مقاومة مختلفة متنامية طورتها في ظل أصعب الظروف.
إعلان
ولفت الانتباه إلى ثنائيات وتقابلات تؤكد عمليا قوة الشعب الفلسطيني النابعة من قوة وعدالة قضيته أمام احتلال لا يمكنه الاستمرار إلا بالقمع والقوة اتجاه الفلسطينيين واستعمال سلاح التخويف اتجاه الإسرائيليين.
فبينما يتمسك الفلسطينيون بذكريات النكبة والتهجير القسري وإحيائها لإعطاء مقاومتهم شحنة وشعلة متجددة لنضالهم من أجل استعادة حقوقهم ولمواصلة الصمود من أجل التحرر تستخدم إسرائيل ذكرياتها في ألمانيا وغيرها لتبرير العدوان الشامل على الفلسطينيين، وإسكات كل انتقاد لها ومعاملته على أنه إنكار للتاريخ اليهودي أو المأساة اليهودية، مما يخلق حالة من الخوف داخل المجتمع الإسرائيلي، وتكريس الصمت على مستوى الغرب أيضا.
وهذا يعكس -حسب الكتاب- أهمية الذاكرة في الصراع، إذ يستعمل الفلسطينيون ذاكرتهم الجماعية كأداة مقاومة ووسيلة للحفاظ على هويتهم وتقوية عزيمة النضال والكفاح ضد الاحتلال.
في المقابل، يستعمل الاحتلال الذاكرة أداة للقمع ولإضفاء الشرعية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، مما يؤكد أن الحرب الجارية في غزة وكل أرض فلسطين ليست حربا واحدة، بل حروب، حرب حول الأرض والذاكرة والهوية والتاريخ.
ويعتبر الكاتب أن الاحتلال الإسرائيلي نظام استعماري مستمر يسعى إلى فرض الهيمنة على الفلسطينيين.
7 أكتوبر انهيار وهم الدولة الآمنة لليهود
“خلق” هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول حالة من الخوف والغضب والصدمة داخل المجتمع الإسرائيلي، لأنه -يقول الكاتب- كشف اختراقا للنظام الأمني الإسرائيلي الذي لطالما اعتبر حصنا منيعا.
وأظهر الهجوم فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد الانهيار الأمني غير المتوقع، وعرّى نقاط الضعف الأساسية لدولة تسوّق نفسها على أنها الملاذ الآمن ليهود العالم، وهو ما يفسر الرد العنيف جدا الذي استهدف كل الفلسطينيين في غزة، وأسباب استدعاء فترات صادمة في التاريخ اليهودي، وأبرزها المحرقة النازية في خطاب الإعلام الإسرائيلي الرسمي والمساند في الداخل والخارج لتبرير سياساتها ضد الفلسطينيين.
إعلان
استدعاء هذا الخطاب يعد مظهرا من مظاهر سياسة التخويف التي تنتهجها إسرائيل داخل المجتمع الإسرائيلي، من جهة لخلق الشعور الدائم بالخطر الوجودي بتصوير الفلسطينيين كتهديد مستمر، ومن جهة أخرى لتبرير كل خططها وسياستها القمعية -سواء الحربية العدوانية المباشرة أو غير المباشرة- اتجاه الشعب الفلسطيني، من قبيل توسيع الاستيطان والتهام الأراضي وغيرها.
وفي هذا السياق، يورد الكاتب دعوات مفتوحة للإبادة الجماعية أطلقها مسؤولون إسرائيليون كبار ووثقتها الصحافة الإسرائيلية قبل غيرها، ومن بينها دعوة وزير الدفاع يوآف غالانت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لحصار كامل على مدينة غزة يمنع عنها الكهرباء والطعام والوقود وإغلاق كل شيء.
وأطلق غالانت أيضا بعد ذلك يد القوات الموجودة على حدود غزة بأن تفعل ما تشاء وبدون قيود بقوله “نفرض حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية”.
لقد اختارت إسرائيل تصعيد القمع وزيادة حدة الصراع والدخول في مرحلة جديدة من الحرب الاستعمارية ضد الشعب الفلسطيني، بهدف القضاء على وجوده وإزالته من أرضه، إذ شكلت الحرب الجارية على غزة نقطة تحول في الصراع، ودخول مرحلة جديدة في إستراتيجية ظلت متأرجحة منذ عام 1948.
ولوضع القارئ في السياق العام لذلك الصراع يستعرض الكتاب الواقع السياسي الفلسطيني وحالة الانقسام بين المكونات السياسية الكبرى للشعب الفلسطيني (حماس وفتح) وفشل الجهود المتكررة لتحقيق المصالحة الوطنية، وواقع السلطة الفلسطينية وضعفها وأعطابها وحالة الفساد داخلها وافتقارها إلى رؤية إستراتيجية وخضوعها لضغوط خارجية وتنسيقها الأمني مع الاحتلال، وكيف فقدت ثقة الشعب الفلسطيني وأصبحت عائقا أمام تطلعاته.
وخصص الكتاب حيزا مهما لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تطرق فيه إلى مرجعتيها ومسارها من التأسيس إلى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وانتخاب يحيى السنوار، مستعرضا التحولات التي شهدتها من المجال الدعوي والاجتماعي والفكري والعمل المسلح، ودخول العمل السياسي وإدارة قطاع غزة وعلاقتها مع السلطة الفلسطينية والتعامل الدولي معها.
إعلان
انتهاك النظام الدولي ونهاية القانون الدولي
وحذر الكتاب من أن استمرار الحرب في غزة يهدد نظام الأمم المتحدة، وأن الهجوم على القانون الدولي وتجاهله لا يفاقم فقط الأزمة في فلسطين، بل سيحول دون تحقيق العدالة أو حماية المدنيين في الصراعات المستقبلية.
ويقدم نماذج من الانتهاكات، أبرزها الحرب على المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها وكالة غوث اللاجئين (أونروا) بتهمة أن بعض موظفيها شاركوا في هجوم 7 اكتوبر/تشرين الأول 2023.
لكن الهدف الحقيقي هو تجويع سكان غزة بدليل قصف إسرائيل قوافل منظمات إنسانية وأشهرها “مجزرة الطحين” في 29 فبراير/شباط 2024 حين أطلق جيش الاحتلال الذخيرة الحية على تجمّع من المدنيين العزل حول شاحنات طحين، مما أودى بأرواح أكثر من 100 شخص.
فإسرائيل تسعى -يقول الكتاب- إلى القضاء على وكالة غوت اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أنشئت عام 1949)، لأنها تدعم قرابة 6 ملايين فلسطيني في الشرق الأوسط، بمن في ذلك 1.5 مليون في غزة بمجالات الصحة والتعليم ومساعدة الفئات الأكثر حرمانا.
النفاق الغربي.. السياسة الفرنسية نموذجا
شرّح آلان غريش في كتابه السياسة الفرنسية اتجاه الحرب على غزة، وكشف ضعفها في التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة، وكيف كانت تابعة بشكل مخزٍ للحكومة الإسرائيلية وحليفها الأميركي.
وأشار إلى أن الأغلبية العظمى من السفراء الفرنسيين في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط عبّروا لرئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون عن قلقهم من المواقف المؤيدة لإسرائيل، وتحولها من متزعمة أوروبا ومحركتها للدفاع عن القانون الدولي والفلسطينيين إلى متخلفة عن الركب خلف بلجيكا وإسبانيا وأيرلندا التي أدانت العقاب الجماعي لسكان غزة، وطالبت باتخاذ الإجراءات لمحاسبة الاحتلال وإيقاف جرائمه.
ورجع الكاتب إلى تاريخ بداية تحول موقف فرنسا من القضية الفلسطينية إبان رئاسة نيكولا ساركوزي عام 2007 ثم فرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون تدافع شفويا عن فكرة الدولة الفلسطينية، لكنها لم تتخذ أي إجراء في الـ15 سنة الماضية ضد الاحتلال، واكتفت ببيانات صحفية مصيرها صناديق قمامة وزارة الخارجية الإسرائيلية.
إعلان
بالمقابل، عملت باريس على تعزيز العلاقات مع تل أبيب عمليا في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، ونشطت في الدفاع عن إسرائيل ومنحها مكانة مميزة في الاتحاد الأوروبي لا تتمتع بها أي دولة أخرى غير أوروبية.
وزاد الوضع سوءا مع الرئيس ماكرون الذي شطب وضع الشعب الفلسطيني من أجندته، وتوقع الكاتب أن تحمل الاختيارات التي اتخذتها فرنسا مخاطر جسيمة تخص علاقتها مع دول الجنوب.
بلد الأنوار يخنق الرأي الآخر
أمر آخر فضحه الكاتب في السياسة الفرنسية، وهو قمعها الرأي المخالف للرواية الإسرائيلية واتهامه بدعم الإرهاب، وفرض القيود على النقاشات بشكل جعل الحاجة ماسة إلى فتح نقاش يحترم التعددية في فرنسا، إذ بات السؤال المحوري في كل مقابلة تلفزيونية أو إذاعية في الأسابيع التي أعقبت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول “هل تعتبر حماس منظمة إرهابية؟”.
وهذا السؤال الذي غيّب أسئلة أخرى مهمة تمكّن من فهم السياق الكامل للأحداث، كيف كانت الأوضاع في غزة قبل الهجمات؟ هل كان الفلسطينيون يعيشون في ظروف طبيعية؟ هل كانت هناك بوادر لحل سياسي يضمن حقوقهم؟
وتقابل أي محاولة في فرنسا لشرح السياق بتهمة دعم الإرهاب وتبرير خطوة حماس والتعاطف معها.
وتجاوز الأمر توجيه الاتهامات إلى المحاكمة، ورفعت في 30 يناير/كانون الثاني 2024 نحو 626 قضية بتهم “تمجيد الإرهاب” وحظر العديد من المظاهرات والندوات التي تدين الحرب على غزة وتدافع عن حقوق الفلسطينيين.
ويُظهر النموذج الفرنسي أن الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تمنح إسرائيل دعما غير مشروط، مما يساهم في استمرار الاحتلال.
وينتقد الكاتب الموقف الدولي، مشيرا إلى أن الدول الغربية تُظهر انحيازا واضحا لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، وأن الدعم العسكري والدبلوماسي الذي تقدمه الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل يسهم في استمرار الاحتلال.
إعلان
وشرح الكاتب كيف أصبح الدعم الغربي لإسرائيل عاملا رئيسيا في استمرار الاحتلال، لأن تساهل الولايات المتحدة وأوروبا تجاه انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان يساهم في استمرار المعاناة الفلسطينية.
بالمقابل، ينوه الكاتب برفض العديد من دول الجنوب السياسات الغربية وازدواجية المعايير الانتقائية في التعامل مع القضايا الدولية، ويشير إلى تصاعد الأصوات المعارضة لإسرائيل، لأنها تعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي رمزا للهيمنة الغربية على العالم.
تهمة الإرهاب والسوابق الاستعمارية
وفي سياق حديث الكتاب عن الحرب على غزة، يسائل الغرب على استعمال مصطلح “الحرب على الإرهاب” منذ أطلقته الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكيف تحول إلى وسيلة لتبرير الانتهاكات ضد الشعوب وخوض الحروب رغم غموض مفهومه، وغياب اتفاق دولي على تعريف له، ليبقى الالتباس والخلط بين الإرهاب والمقاومة لأجل التحرر الوطني.
ويستحضر في مساءلته مقاومة الشعب الجزائري الاستعمار الفرنسي، وجواب العربي بن مهيدي أحد قادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية أثناء معركة الجزائر عام 1957 على صحفيين فرنسيين انتقدوا استخدام القنابل في المقاهي بالقول “أعطونا دباباتكم وطائراتكم وسنعطيكم قنابلنا”.
وقد خصص الكتاب للاستعمار الفرنسي للجزائر وكيف قاومه الجزائريون ملحقا استعرض أوجه الشبه بين ما حصل في الجزائر وما يجري اليوم في فلسطين من حيث الأساليب التي استعملها الاحتلال الفرنسي ضد المقاومة، ويسير الاحتلال الإسرائيلي على نهجه، والدروس والعبر التي يمكن للفلسطينيين أن يستلهموها من المقاومة الجزائرية.
ازدواجية معايير الغرب
الكتاب يكشف بالأمثلة والنماذج ازدواجية معايير الغرب في التوزيع الانتقائي للاتهامات بالإرهاب، فهو يسارع إلى إدانة هجمات حركة مقاومة، في حين لا يطلق التهمة نفسها على دولة ترتكب جرائم على نطاق واسع، ليؤكد أن الغرب غالبا ما يستعمل مفهوم “الإرهاب” كأداة سياسية للتلاعب بالرأي العام وشرعنه قمع بعض الحركات، وذريعة لتبرير القمع والانتهاكات بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، كما استخدم لتبرير الحروب والتدخلات العسكرية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
إعلان
والاحتلال الإسرائيلي يوظف على غرار الولايات المتحدة خطاب محاربة “الإرهاب” في حروبه المتكررة على الشعب الفلسطيني -خاصة غزة- لتبرير الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب “إذا تم تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية فإن إسرائيل يمكن أن تصنف دولة إرهابية”، خاصة أنها ترتكب جرائمها منذ عقود وعلى نطاق واسع، في حين عمليات حركة حماس تتم بأدوات بسيطة ومحدودة التأثير مقارنة بما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي.
والسلاح نفسه يستعمله اليوم الغرب لإسكات الأصوات والحركات المعارضة للحرب على غزة والمؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني، ويطلق عليها تهمة الإشادة أو تمجيد الإرهاب، دون خجل من ازدواجية المعايير حتى في المنظومة الغربية نفسها.
وقد أدان الغرب روسيا وفرض عليها عقوبات لقصفها المدن الأوكرانية، لكنه دعم إسرائيل عسكريا بدعوى حق الدفاع عن النفس، ومنحها الغطاء الدبلوماسي والإعلامي الواسع رغم ارتكابها جرائم أفظع مما ارتكبته روسيا في أوكرانيا.
ويدعو الكاتب إلى إعادة تعريف الإرهاب ليشمل الجرائم التي ترتكبها الدول، وينبه إلى عدم الخلط بين الإرهاب والمقاومة وأن الأخيرة ليست إرهابا، بل حق مشروع معترف به في القوانين الدولية، وهي السبيل للبقاء والحفاظ على الهوية الوطنية، الأمر الذي يفسر استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني ورفضه الاستسلام، وأي وصف للمقاومة الفلسطينية بالإرهاب يسعى إلى تجريد الفلسطينيين من حقهم في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم.
الإعلام والقضية الفلسطينية
رصد الكتاب تعامل الإعلام الغربي والعربي والفلسطيني مع الحرب على غزة، ودور الإعلام في الحروب عموما من حيث صناعة الروايات وتشكيل الرأي العام والتأثير في الصراع، لأنه جزء لا يتجزأ من أي صراع سياسي أو عسكري وحرب على شاشات التلفاز وصفحات الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، وله دور كبير في حسم الصراع وفي اتجاهه.
إعلان
فليس الإعلام مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل أصبح أحد أطراف الحروب والصراعات، إذ يسعى كل طرف إلى تقديم روايته والتأثير بها على الرأي العام الدولي، وبرز ذلك بشكل أقوى في الصراع على أرض فلسطين.
ويكشف الكتاب الآلة الإعلامية القوية التي تستخدمها إسرائيل للتأثير على الرأي العام العالمي، ومكنتها من السيطرة على الرواية الإعلامية في الغرب عبر شبكاتها الإعلامية والدبلوماسية، والتي قدمتها كضحية وكدولة ديمقراطية تدافع عن نفسها في مواجهة “الإرهاب الفلسطيني”، وأن ما تقوم به من هجمات عسكرية (عدوان) دفاع عن النفس، حتى ولو كانت في انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، في حين تصور أفعال المقاومة الفلسطينية على أنها تهديد لأمن واستقرار واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، متجاهلة السياق الأكبر المتعلق بالاحتلال.
وأشار الكاتب إلى الدور الكبير لجماعات الضغط الموالية لإسرائيل في تشكيل التغطية الإعلامية في الغرب عبر طرق مختلفة، منها التأثير على السياسات التحريرية، واستهداف الصحفيين المنتقدين ومحاصرتهم وتهديدهم بفقدان وظائفهم، ومحاصرة المؤسسات الإعلامية والمنظمات التي تنتقد إسرائيل.
بالمقابل، يعاني الفلسطينيون من تحديات مختلفة لإيصال رسالتهم وروايتهم، أبرزها ضعف كبير في الإمكانيات والموارد بالمجال الإعلامي، وتحيز الإعلام الغربي ضدهم في تغطية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لصالح الأخير.
ويفضح الكاتب هذا التحيز في التغطية الإعلامية بأمثلة ونماذج متعددة، سواء في المصطلحات المستعملة أو في تقديم المعطيات والمعلومات، إذ يصف القصف الإسرائيلي والعدوان على الفلسطينيين بأنهما اشتباكات وصراع وصدامات.
بالمقابل، يصف عمل المقاومة بأنه هجمات و”إرهاب” وإطلاق صواريخ، فضلا عن تقديم صورة مخالفة للواقع وإظهار إسرائيل ضحية بالتركيز على خسائرها مقابل غض الطرف عن مآسي ومعاناة الفلسطينيين وخسائرهم، وعدم الإشارة إلى السياق التاريخي والسياسي للحرب والصراع، وإخفاء حقيقة أن الأمر يتعلق بالاحتلال والاستيطان والحصار.
إعلان
وسائل التواصل الاجتماعي.. ساحة حرب جديدة
كتاب آلان غريش “فلسطين.. شعب لا يريد الموت” سلط الضوء على ساحة أخرى جديدة للحرب الإعلامية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي وسائل التواصل الاجتماعي، وقال إن تأثيرها غيّر قواعد اللعبة لأنها مكنت الفلسطينيين من نقل معاناتهم مباشر إلى العالم دون الحاجة لوسائل الإعلام التقليدية، إذ نقل الفلسطينيون الصور ومقاطع الفيديو التي تفضح جرائم الاحتلال.
وفي هذا السياق، يورد كيف صوّر الضحايا مأساتهم ونقلوها بأنفسهم إلى العالم، وكيف اعتمدت لائحة الاتهام التي قدمتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية في 12 يناير/كانون الثاني 2024 الفيديوهات والشهادات القادمة من غزة ونشرها فلسطينيون، مستشهدا بما قاله المحامي الأيرلندي بلين ني غرالاي عندما وصف غزة بأنها “أول إبادة جماعية في التاريخ يبث فيها الضحايا قصتهم في وقتها الحقيقي عسى أن يتحرك العالم ويفعل شيئا”.
ويسجل الكتاب التحديات التي يوجهها المحتوى الفلسطيني على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها الرقابة والحذف بحجة انتهاك سياسات النشر، خاصة في منصة فيسبوك أو إنستغرام.
في المقابل، تسمح بحملات دعائية واسعة للرواية الإسرائيلية وتشويه الرواية الفلسطينية عبر الحسابات المزيفة ونشر المعلومات المضللة.
الجزيرة.. دور محوري بإبراز مظلمة الفلسطينيين
أبرز الكتاب دور الإعلام الشعبي و”المستقل”، وما قام به من دور محوري في نقل معاناة الفلسطينيين إلى العالم العربي وإلى كل العالم، وقال إن قناة الجزيرة لعبت دورا كبيرا في إبراز القضية الفلسطينية رغم تعرضها لضغوط وانتقادات من أطراف مختلفة، وهي الضغوط والمضايقات التي واجهت قنوات غير رسمية، لأن إسرائيل ومن يدعمها تريد التلاعب بالرأي العام العالمي وعدم فضح روايتها.
ولم يكتفِ الكتاب برصد واقع الإعلامي الفلسطيني والداعم للقضية وتحدياته وإكراهاته، بل قدّم مقترحات بحكم خبرته الصحفية وتخصصه في قضايا الشرق الأوسط، من شأنها أن تساعد الفلسطينيين على تحسين حضورهم الإعلامي، وترفع إمكانية القدرة على مواجهة الهيمنة الإعلامية الإسرائيلية، ومنها تأسيس منصات إعلامية قوية قادرة على المنافسة دوليا، وتدريب الشباب الفلسطينيين على تقنيات الإعلام الرقمي، وتمكينهم من قدرات تسمح لهم بسرد القصص الإنسانية التي تعرّف بمعاناة الشعب الفلسطيني اليومية تحت الاحتلال.
خيارات الشعب الفلسطيني
وفي سياق حديثه عن مستقبل الصراع بالشرق الأوسط وخيارات الشعب الفلسطيني، ناقش الكتاب السيناريوهات المتداولة لحل الصراع، ومنها خيار الدولتين الذي بات بعيد المنال لغياب الإرادة السياسية لدى إسرائيل، وتوسيعها المستمر للمستوطنات في الضفة الغربية، واستبعادها الحلول السياسية، وتبنيها خطابا وإستراتيجية أمنية، مستفيدة من الدعم الأميركي الشامل وغير المشروط، وازدواجية المعايير الأوروبية.
إعلان
وهناك خيار آخر، وهو الدولة الواحدة، لكنه مستبعد فلسطينيا لأن الكلمة فيها ستكون لإسرائيل التي لن توفر المساواة في الحقوق.
وبانسداد الأفق السياسي واستبعاد الخيارين المذكورين يطرح الكتاب خيارا ثالثا وهو المقاومة الشعبية واستمرار النضال لتعزيز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، وإجبار إسرائيل على التراجع عن سياساتها.
ويرى الكاتب أن هناك عاملين مهمين في هذا السياق يتعلق الأول بتصاعد دور قوى دولية كالصين والهند والبرازيل في السياسة الدولية من شأنه أن يخفف هيمنة الغرب وأن يمكّن للفلسطينيين حلفاء وداعمين جددا، والآخر بتزايد التضامن الشعب العالمي مع الفلسطينيين يقوده المجتمع المدني وحركات شعبية وشبابية انتفضت ضد ازدواجية المعايير الغربية.