قصة “برميل البارود” بحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب

اندلعت اشتباكات عنيفة مساء الاثنين 23 ديسمبر 2025 في محيط حيي الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب شمالي سوريا، بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والقوات الحكومية السورية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. وتأتي هذه المواجهات بعد فترة من التوتر وعدم الالتزام باتفاق سابق يهدف إلى إعادة الحيين إلى سيطرة الحكومة السورية، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل المنطقة واستقرارها. هذه التطورات المتعلقة بـالشيخ مقصود تشكل نقطة تحول محتملة في الوضع الأمني في حلب.
يقع حي الشيخ مقصود في شمال مدينة حلب، ويعتبر من أكبر الأحياء في المدينة، حيث يمتد على مساحة تقدر بنحو 4 آلاف متر مربع. يقطن الحي، إلى جانب حي الأشرفية المجاور، حوالي 200 ألف نسمة، أغلبهم من الأكراد بالإضافة إلى عدد كبير من العائلات العربية. تعتبر المنطقة ذات أهمية استراتيجية نظرًا لموقعها الذي يشرف على أجزاء كبيرة من المدينة.
هجمات وقصف على أحياء حلب بعد توترات في الشيخ مقصود
بدأت التوترات بالتصاعد بعد تدمير نفق يُعتقد أنه تابع لقوات سوريا الديمقراطية في الحيين في أكتوبر الماضي. وقد اتهمت الحكومة السورية قوات “قسد” بالانسحاب المفاجئ من الحواجز المشتركة وبدء إطلاق النار على عناصر الأمن السورية، وهو ما نفته “قسد” بدورها، ملقيةً بالمسؤولية على الحكومة.
ووفقًا لوزارة الصحة السورية، أسفر القصف الذي شنته قوات سوريا الديمقراطية من الشيخ مقصود والأشرفية على أحياء مدنية في مركز مدينة حلب ومحيط مستشفى الرازي عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 14 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء. وقد أدى هذا القصف إلى حالة من الذعر والخوف بين السكان المدنيين.
ردت القوات الحكومية السورية بتحييد مصادر النيران، وفقًا لما أعلنت سلطات الأمن، مع استمرار عمليات القنص في عدة أحياء من حلب. وقد أعلن محافظ المدينة عزام الغريب عن تعليق الدوام في المرافق الحكومية والتعليمية كإجراء احترازي.
اتفاق آذار المعلق
تأتي هذه الاشتباكات في ظل تعثر اتفاق العاشر من مارس/آذار، الذي تم التوصل إليه في دمشق بين الحكومة السورية وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي. يهدف الاتفاق إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق البلاد ضمن مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك اندماج قوات “قسد” في الجيش السوري، بحلول نهاية العام الجاري.
وينص الاتفاق أيضًا على بسط سيطرة الدولة على المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز التي تسيطر عليها “قسد” حاليًا، بالإضافة إلى عودة المهجرين إلى ديارهم تحت حماية الدولة. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ بنود الاتفاق بشكل كامل، حيث تتهم الحكومة السورية “قسد” بالمماطلة وعدم إبداء أي التزام جدي.
وقد صرح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان في دمشق بأن الحكومة السورية لم تلمس إرادة جدية من قوات “قسد” لتنفيذ اتفاق آذار. هذا التصريح يعكس مدى الإحباط الذي تشعر به الحكومة السورية من عدم التقدم في تنفيذ الاتفاق.
يعاني حي الشيخ مقصود من تدهور الخدمات الأساسية، وفقًا لتقارير السكان المحليين. ويتم إدارة الحي، إلى جانب حي الأشرفية، من قبل “المجلس المدني المشترك” التابع لما يسمى “الإدارة الذاتية” المنبثقة عن “قسد”. وقد أدى هذا الوضع إلى صعوبات في توفير الخدمات الأساسية للسكان.
منذ عام 2012، تسيطر ما تسمى بوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة التابعتين لـ”قسد” على الحيين، وتتولى “الأسايش” مهام الأمن. وقد ساهمت هذه المكونات العسكرية في دعم النظام السوري خلال حصار أحياء مدينة حلب عام 2016، من خلال قطع طريق الكاستيلو الذي يربط أحياء حلب الشرقية بريف حلب الشمالي.
في حال استمرار عدم التزام “قسد” باتفاق آذار، قد يشهد حي الشيخ مقصود والأشرفية تصعيدًا عسكريًا محتملًا، حيث قد تلجأ الحكومة السورية إلى القوة لتنفيذ الاتفاق. ومع ذلك، تؤكد الحكومة السورية أنها تحرص على تجنب هذا السيناريو وتفضل الحلول السلمية. من المتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدًا من المفاوضات والمساعي الدبلوماسية لحل الأزمة وتجنب التصعيد.
ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل قوات سوريا الديمقراطية على الاتهامات الموجهة إليها، وموقف الحكومة السورية من استمرار التعثر في تنفيذ اتفاق آذار. كما يجب متابعة تطورات الوضع الأمني في حلب، واحتمال تدخل أطراف أخرى في الأزمة.




