كيف تزحزحت “إنفيديا” من عرش الذكاء الاصطناعي بفضل إعلان واحد من “غوغل”؟

شكلت ثورة الذكاء الاصطناعي نقطة تحول حقيقية في مسيرة شركة “إنفيديا” التجارية، حيث انتقلت من شركة متخصصة في تصنيع بطاقات الرسوميات ومنصاتها المخصصة للألعاب، وربما التعدين، إلى إحدى أكبر شركات التقنية في العالم، بل وانضمت إلى نادي الشركات التي تتجاوز قيمتها تريليون دولار. ومع ذلك، يبدو أن معالجات الذكاء الاصطناعي، التي كانت سبباً في ازدهار “إنفيديا”، قد تكون سبباً في تراجعها، وذلك بعد التغيرات الأخيرة في قيمة الشركة إثر إعلان “غوغل” عن قدرات معالجاتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي.
فمنذ انتشار الشائعات حول معالجات “تي بي يو” (TPU) للذكاء الاصطناعي من “غوغل”، خسرت “إنفيديا” أكثر من 4% من قيمتها السوقية، بينما شهدت شركة “ألفابيت”، المالكة لـ “غوغل”، انتعاشاً وصل إلى 12%. هذا التفاعل السريع يثير تساؤلات حول مستقبل “إنفيديا” في هذا القطاع التنافسي، وهل يمكن أن تتراجع سيطرتها أمام طموحات “غوغل” المتزايدة.
لماذا أثارت معالجات غوغل هذا التأثير على أسهم انفيديا؟
يعود هذا التأثير الملحوظ إلى عدة عوامل. أولاً، أعلنت “غوغل” عن الجيل الجديد من نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، “جيميناي 3.0″، والذي يتميز بقدرات متطورة تتفوق على العديد من النماذج المنافسة. والأهم من ذلك، كشفت “غوغل” عن أنها استخدمت معالجات “تي بي يو” الخاصة بها في تدريب هذا النموذج، مما أثار اهتماماً كبيراً في السوق.
ثانياً، نشر موقع “ذا إنفورميشن” (The Information) تقريراً مفاده أن شركة “ميتا” تخطط للاعتماد على معالجات “تي بي يو” من “غوغل” لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. هذا التحول المحتمل يمثل ضربة لـ “إنفيديا”، التي كانت تعتبر المورد الرئيسي لمعالجات الذكاء الاصطناعي لشركات التكنولوجيا الكبرى. ويذكر أن “ميتا” ليست أول من استخدم هذه المعالجات، حيث سبقتها “آبل” و”آنثروبيك” في ذلك.
الفرق بين معالجات انفيديا ومعالجات غوغل الجديدة
يكمن الفرق الرئيسي بين معالجات “إنفيديا” ومعالجات “غوغل” في طريقة معالجة البيانات. تعتمد معالجات “إنفيديا” على آلاف أنوية الحوسبة لمعالجة كميات كبيرة من البيانات بشكل متوازٍ، وهي مناسبة بشكل خاص لتطبيقات الرسوميات والألعاب. في المقابل، تقوم معالجات “تي بي يو” من “غوغل” بمعالجة البيانات بشكل تسلسلي، وهي مصممة خصيصاً لتسريع عمليات التعلم العميق والذكاء الاصطناعي.
تتميز معالجات “إنفيديا” بقدرتها على التكيف مع مجموعة واسعة من التطبيقات، بينما تركز معالجات “غوغل” على أداء أفضل في مهام الذكاء الاصطناعي المحددة. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر معالجات “إنفيديا” أكثر تكلفة واستهلاكاً للطاقة مقارنة بمعالجات “تي بي يو”.
ظهرت معالجات “تي بي يو” لأول مرة في عام 2013، وتم استخدامها داخلياً في “غوغل” لتحسين أداء محرك البحث الخاص بها. في عام 2015، بدأت “غوغل” في تقديم هذه المعالجات للباحثين والمطورين، وفي عام 2018، أطلقت “غوغل” خدمات سحابية تعتمد على معالجات “تي بي يو”. الجيل الجديد، “آيرون وود” (Ironwood)، يستخدم التبريد السائل ويأتي في تكوينات مختلفة لتلبية احتياجات مختلفة.
الآثار المحتملة على مستقبل انفيديا والذكاء الاصطناعي
تمثل كلفة بناء وتشغيل مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي تحدياً كبيراً أمام الشركات العاملة في هذا المجال. تعتبر معالجات “إنفيديا” المتطورة باهظة الثمن، مما يزيد من هذه الكلفة. لذلك، فإن توفر معالجات بديلة مثل “تي بي يو” من “غوغل” يمكن أن يساعد الشركات على خفض التكاليف وزيادة الربحية.
على الرغم من أن “غوغل” قد لا تسعى إلى استبدال “إنفيديا” بشكل كامل، إلا أن قدرتها على توفير معالجات ذكاء اصطناعي عالية الأداء بتكلفة أقل يمكن أن تغير ديناميكيات السوق. “إنفيديا” لا تزال رائدة في هذا المجال، ولكنها تواجه الآن منافساً قوياً قادراً على تقديم حلول بديلة.
تشير التوقعات إلى أن “غوغل” قد تتيح لعملائها شراء معالجات “تي بي يو” مباشرة في المستقبل، بالإضافة إلى توفيرها من خلال خدماتها السحابية. هذا التوسع المحتمل يمكن أن يزيد من انتشار هذه المعالجات ويجعلها خياراً جذاباً لعدد أكبر من الشركات. سيكون من المهم متابعة تطورات هذه المعالجات ومدى اعتماد الشركات عليها في المستقبل القريب.
في الختام، يظل مستقبل “إنفيديا” في قطاع الذكاء الاصطناعي مرتبطاً بقدرتها على الابتكار والحفاظ على مكانتها التنافسية. في الوقت الحالي، تشير البيانات إلى أن معالجات “غوغل” الجديدة تمثل تهديداً حقيقياً لسيطرة “إنفيديا”، ولكن من السابق لأوانه الجزم بالنتائج النهائية. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من التطورات في هذا المجال، بما في ذلك إطلاق نماذج جديدة من المعالجات وإعلانات عن شراكات بين شركات التكنولوجيا الكبرى.





