لاجئو سوريا بالأردن بين العودة إلى وطن مدمر أو البقاء في فقر مدقع

بعد مرور عام على الأوضاع المعقدة في سوريا، يواجه العديد من اللاجئين السوريين في الأردن معضلة حقيقية: البقاء في ظل ظروف اقتصادية صعبة، أو العودة إلى وطن مزقته الحرب. هذا الواقع الصعب يتجلى في تدهور الأوضاع المعيشية وتراكم الديون، مما يجعل خيار العودة أكثر صعوبة على الرغم من الرغبة في الاستقرار.
كشفت مراسلة صحيفة لوفيغارو الفرنسية، خلال زيارة برفقة منظمة “ميدير” غير الحكومية، عن أن رواية “العودة الجماعية” التي يتم الترويج لها لا تعكس الواقع على الأرض. فبعد 14 عامًا من اللجوء، لا يزال حوالي 500 ألف سوري عالقين في الأردن، يعانون من الديون المتراكمة وصعوبة تلبية الاحتياجات الأساسية.
الوضع الاقتصادي الصعب للاجئين السوريين في الأردن
توضح التقارير أن نحو 90% من الأسر اللاجئة تعاني من الديون، بمتوسط يبلغ 390 دينارًا أردنيًا للأسرة الواحدة. وفي بعض الحالات، تتجاوز الديون 1000 دينار، مما يجعل عبور الحدود السورية مستحيلاً دون تسديد هذه المبالغ. هذا يدفع بعض العائلات إلى بيع ممتلكاتها أو ترك أحد أفرادها كضمان لتسديد الديون.
قصص اللاجئين تعكس هذا الواقع المؤلم. سلمى، على سبيل المثال، لم تدفع إيجار منزلها منذ سبعة أشهر، وتضطر للاقتراض يوميًا لشراء الخبز والأدوية. أما عامر، فيعاني من وضع أسوأ، حيث لديه ابنتان عمياوان ولم يتمكن من دفع إيجاره منذ ستة أشهر، ولا يملك ما يعود إليه في سوريا بعد أن فقد كل ما يملك خلال الحرب.
تأثير الديون على قرار العودة
تعتبر الديون أكبر عائق أمام عودة اللاجئين، حيث تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم على البدء من جديد في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الكثيرون من فقدان الأوراق الثبوتية بسبب الحرب أو التعديلات القانونية، مما يزيد من تعقيد عملية العودة.
وفي الوقت الذي يروج فيه البعض لفكرة “العودة الطوعية”، تشير الأرقام إلى أن الرغبة في العودة تراجعت بشكل ملحوظ، حيث انخفضت من 40% في فبراير 2025 إلى 22% في سبتمبر الماضي. هذا يعكس حالة اليأس والإحباط التي يعيشها العديد من اللاجئين.
تحديات إضافية تواجه اللاجئين السوريين
بالإضافة إلى الديون، يواجه اللاجئون السوريون تحديات أخرى في الأردن، مثل ارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على فرص عمل. هذه الظروف تؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وتدفع البعض إلى تبني “استراتيجيات تكيف سلبية” مثل الزواج المبكر وعمل الأطفال.
الأزمة الاقتصادية في الأردن تزيد من الضغوط على اللاجئين، حيث تعاني البلاد من نقص في الموارد وتزايد البطالة. هذا يجعل من الصعب على اللاجئين الحصول على الدعم اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
كما أن هناك تحفظات بشأن الوضع في سوريا، حيث يفتقر البلد إلى الضمانات الأساسية لعودة آمنة وكريمة. المخاوف من الاعتقال التعسفي والمصادرة العشوائية للممتلكات تمنع الكثيرين من العودة.
وتقدم منظمات مثل المفوضية العليا للاجئين مساعدات مالية، ولكن هذه المساعدات غالبًا ما تذهب إلى الأشخاص الأكثر ضعفًا، مثل المرضى وكبار السن، الذين هم بالذات من لا ينبغي دفعهم إلى العودة بسبب الظروف الصعبة هناك. هذه المساعدات لا تعتبر تشجيعًا على العودة، بل هي دعم لأولئك الذين اتخذوا بالفعل هذا القرار.
الوضع الإنساني للاجئين السوريين يتطلب حلولاً مستدامة تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة، بما في ذلك الديون والظروف الاقتصادية الصعبة. يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم للأردن لمساعدته على تحمل أعباء اللجوء وتوفير حياة كريمة للاجئين.
في الختام، يظل مستقبل اللاجئين السوريين في الأردن غير واضح. من المتوقع أن تستمر الأوضاع الصعبة ما لم يتم إيجاد حلول جذرية تعالج الديون وتوفر فرصًا اقتصادية. يجب مراقبة تطورات الأوضاع في سوريا وتقييم مدى استعدادها لاستقبال اللاجئين بشكل آمن وكريم. من الضروري أيضًا استمرار الدعم الدولي للأردن لمساعدته على التعامل مع هذه الأزمة الإنسانية.





