لماذا أسقطت سويسرا ضريبة الميراث عن الأثرياء؟

رفض الناخبون السويسريون، بأغلبية ساحقة، مقترح فرض ضريبة على الثروات الكبيرة، في قرار حاسم يعكس مخاوف بشأن تأثير ذلك على جاذبية سويسرا للاستثمار. جاء الرفض بعد تحذيرات من رجال أعمال بارزين حول احتمال مغادرتهم البلاد إذا تم اعتماد الضريبة، مما أثار جدلاً واسعاً حول مستقبل الضرائب على الثروات في سويسرا.
أظهرت النتائج الأولية أن 82% من المشاركين في الاستفتاء صوتوا ضد الاقتراح، وهو اتجاه أكدته استطلاعات الرأي السابقة. كان من المقرر أن تُفرض الضريبة على الأصول التي تتجاوز 50 مليون فرنك سويسري، بهدف تمويل مبادرات لمكافحة تغير المناخ، لكن المخاوف من “هجرة الثروات” طغت على هذه الدوافع.
تهديدات بمغادرة الأثرياء وتأثيرها على الضرائب على الثروات
أثار مقترح الضريبة جدلاً واسعاً، حيث حذر عدد من رجال الأعمال البارزين من أنهم قد يضطرون إلى نقل ثرواتهم وأعمالهم إلى خارج سويسرا إذا تم تطبيقها. وقال بيتر شبولر، المساهم الأكبر في شركة “ستادلر ريل”، للصحافة المحلية إن الضريبة المقترحة قد تجبره على بيع الشركة في حال وفاته، معتبراً إياها إجراءً عقابياً.
هذه التصريحات، بالإضافة إلى تحذيرات أخرى من ممثلي القطاع الخاص، ساهمت في تشكيل رأي عام رافض للضريبة، حيث يرى الكثيرون أن سويسرا يجب أن تحافظ على بيئة ضريبية مواتية لجذب الاستثمارات والحفاظ على مكانتها كمركز مالي عالمي.
سويسرا وملاذ الأثرياء: نظرة عامة
لطالما اشتهرت سويسرا بأنها ملاذ آمن للأثرياء، وذلك بفضل نظامها المصرفي السري وسياساتها الضريبية الميسرة. وتشير الإحصائيات إلى أن سويسرا تحتل مرتبة متقدمة بين الدول ذات الكثافة العالية للمليارديرات، حيث يوجد أكثر من 9 مليارديرات لكل مليون نسمة، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها بنك “يو بي إس”.
بالإضافة إلى ذلك، يوفر النظام الضريبي السويسري معاملة خاصة للأجانب الأثرياء، مما يسمح لهم بدفع الضرائب دون الحاجة إلى الكشف عن تفاصيل كاملة لأصولهم. هذه العوامل مجتمعة جعلت سويسرا وجهة جذابة للأفراد ذوي الملاءة المالية العالية من جميع أنحاء العالم.
الرفض يتماشى مع الاتجاهات السابقة
لم يكن رفض مقترح الضريبة على الثروات مفاجئًا، حيث أن الناخبين السويسريين قد أبدوا في الماضي معارضتهم لمبادرات تهدف إلى تشديد القيود على الانبعاثات أو زيادة الأجور الدنيا أو توسيع نطاق الإجازات الإلزامية. يعكس هذا الاتجاه ميلًا واضحًا نحو حماية مناخ الأعمال وجذب رأس المال، مع التركيز على الحفاظ على القدرة التنافسية للاقتصاد السويسري.
وفي سياق منفصل، رفض الناخبون أيضًا اقتراحًا لفرض خدمة عسكرية إلزامية على النساء، حيث حصل المشروع على دعم أقل من 15% من الأصوات. كان الاقتراح يهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في مجال الدفاع الوطني، ولكنه لم يلقَ قبولًا واسعًا لدى الناخبين.
تداعيات الرفض على السياسات المستقبلية
من المرجح أن يؤدي رفض مقترح الضريبة على الثروات إلى إعادة تقييم الحكومة والأحزاب السياسية للخيارات المتاحة لتمويل مبادرات مكافحة تغير المناخ. قد يتم النظر في بدائل أخرى، مثل زيادة الضرائب على الشركات أو فرض رسوم على الانبعاثات الكربونية، ولكن من غير المرجح أن يتم طرح مقترحات مماثلة في المستقبل القريب.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي هذا الرفض إلى تعزيز الجهود المبذولة لتعزيز جاذبية سويسرا كمركز مالي واستثماري، من خلال الحفاظ على بيئة ضريبية مواتية وتسهيل الإجراءات الإدارية.
من المتوقع أن تستمر الحكومة السويسرية في مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية العالمية، وأن تقوم بتعديل سياساتها وفقًا لذلك. في الوقت الحالي، لا توجد خطط واضحة لطرح مقترحات جديدة تتعلق بالضرائب على الثروات، ولكن من المهم متابعة النقاشات الدائرة في البرلمان والمجتمع المدني حول هذه القضية.





