Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

لماذا تزدهر أميركا رغم ديونها الضخمة؟

تجاوز الدين العام العالمي 100 تريليون دولار بنهاية عام 2024، وفقًا لصندوق النقد الدولي، وهو أعلى من القيمة الإجمالية للأموال المسجلة عالميًا المقدرة بـ 80 تريليون دولار وفقًا لمنصة “وورلد ببيوليشن ريفيو”.

ويتوقع الصندوق أن ترتفع الديون إلى مستوى يعادل 100% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030.

وتشكل ديون الولايات المتحدة الجزء الأكبر من هذه الديون، حيث بلغت 36 تريليون دولار في عام 2024، أي ما يعادل 34.6% من الإجمالي العالمي، استنادًا إلى بيانات وزارة الخزانة الأميركية.

وعلى الرغم من تحذير وزيرة الخزانة الأميركية السابقة جانيت يلين في يناير/كانون الثاني 2023 من مخاطر استمرار ارتفاع الديون، إلا أن الحكومة الأميركية واصلت الاقتراض لتصل الديون إلى 36.2 تريليون دولار وقت كتابة هذا التقرير.

ورغم مستويات الدين المرتفعة، لا تزال الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.8% في عام 2024 مقارنة بـ 2.9% في عام 2023، مدفوعًا بزيادة الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار والإنفاق الحكومي والصادرات.

على النقيض من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، تعاني العديد من دول العالم الثالث، بما فيها دول عربية كبرى مثل مصر والمغرب والأردن وتونس، من دوامة الديون وفوائدها المرتفعة التي تستنزف نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ذلك، تبقى ديون هذه الدول ضئيلة مقارنة بديون الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال ووفقًا لشركة “فيجيوال كابيتاليست” استنادًا إلى بيانات صندوق النقد الدولي:

  • بلغت ديون مصر 340.5 مليار دولار في عام 2024، أي ما يعادل 0.3% فقط من الدين العام العالمي.
  • بلغ دين المغرب 107 مليارات دولار (0.1% من الدين العالمي).
  • بلغ دين الأردن 49 مليار دولار.

وتطرح عدة تساؤلات عن الاقتصاد العالمي: كيف تزدهر أميركا رغم ديونها العالية؟ ولماذا تعاني الدول النامية في سداد فوائد ديونها؟ وهل تُستخدم الديون كأداة للهيمنة الاستعمارية على مقدرات الدول، خاصة في أفريقيا وآسيا؟

كيف تزدهر أميركا رغم ديونها العالية؟

رغم الخلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فإنهما يتشاركان تجاهلاً لافتًا لمسألة الديون والعجز، بحسب البروفيسور مارك كوبيلوفيتش من جامعة ويسكونسن، في مقال نشره على منصة “إنترإيكونوميست”.

على مدار عقود، كانت فكرة أن الدين الفيدرالي يشكل أزمة وطنية حاضرة في النقاشات السياسية الأميركية. ففي الثمانينيات، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 40%، وفي التسعينيات 60%، وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وصلت إلى 100%، أما الآن، فقد بلغت النسبة 120%، ويتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس أن تصل إلى 166% بحلول عام 2054.

وعلى الرغم من مستويات الديون الأميركية المرتفعة تاريخياً، التي تتجاوز حتى مستويات الحرب العالمية الثانية، تستمر الحكومات الأميركية المتعاقبة في الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة دون أن تتحقق التوقعات بحدوث تضخم مفرط أو أزمة اقتصادية.

ويرى كوبيلوفيتش أن فكرة أن الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية وشيكة مثل تلك التي تعانيها الدول النامية تعد خطأً. ورغم ذلك، لا تخلو الديون الأميركية من تكاليف حقيقية، مثل أقساط الديون والمقايضات السياسية المستقبلية.

هيمنة الدولار الحاسمة على الاقتصاد العالمي

لا تشكل الديون مصدر قلق كبير للولايات المتحدة بسبب هيمنة الدولار كعملة دولية مهيمنة. ويعود ذلك إلى قوة الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية العميقة والسائلة، فضلاً عن الطلب الدولي على “الأصول الآمنة” واستعداد الحكومة الأميركية للعمل كمقرض الملاذ الأخير في الأزمات العالمية.

كما أن البدائل المحتملة، مثل اليورو أو اليوان، لا تُشكل تهديداً حقيقياً للدولار في المستقبل القريب، وفقاً للبروفيسور مارك كوبيلوفيتش.

وتمكن هيمنة الدولار الولايات المتحدة من تمويل نفسها بقيود أقل مقارنة بأي دولة أخرى. ورغم أن مستويات الديون المرتفعة قد تشكل تحدياً مستقبلياً، فإن اعتبار الدين الأميركي “غير قابل للاستمرار” يعد خطأً تصنيفياً على ما يذكره الكاتب.

وعلى سبيل المثال، نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليابان تبلغ 250%، وهي تقترض بأسعار فائدة منخفضة، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة، التي تواجه نسبة أقل بكثير، ليست بحاجة للقلق المفرط بشأن ديونها، وفقاً لكوبيلوفيتش.

أسباب أخرى لازدهار الاقتصاد الأميركي

إضافة إلى هيمنة الدولار:

  • تمتلك الولايات المتحدة أكبر اقتصاد عالمي، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 29.17 تريليون دولار في عام 2024، وهو ما يمثل 25.95% من الاقتصاد العالمي، وفقاً لمنصة ستاتيستا.
  • تسيطر الشركات الأميركية العابرة للقارات، خاصة شركات التكنولوجيا، على قائمة أكبر الشركات العالمية، حيث تضم 8 من أكبر 10 شركات في العالم من حيث القيمة السوقية، وفقاً لمنصة “كومبانيز اركت كاب”.
  • كما أن الولايات المتحدة تضم أكبر سوق أوراق مالية في العالم، ومن المتوقع أن تصل قيمتها السوقية إلى 54.88 تريليون دولار بحلول عام 2025، وفقاً لمنصة ستاتيستا، مما يعزز مكانتها كأكبر قوة اقتصادية عالمية.
الشركات الأميركية العابرة للقارات خاصة شركات التكنولوجيا تسيطر على قائمة أكبر الشركات العالمية (شترستوك)

لماذا تغرق الدول النامية في سداد فوائد ديونها؟

على عكس الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، تعاني الدول النامية من دوامة الديون وفوائدها المرتفعة، حيث بلغ إجمالي الدين (الخاص والعام) للاقتصادات النامية 29 تريليون دولار في نهاية عام 2023، أي ما يعادل 206% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقاً لـ”الأونكتاد”.

ومن أهم أسباب هذه الأزمة:

  • ارتفاع تكاليف الاقتراض
    فالدول النامية تقترض بأسعار فائدة أعلى بنحو 2-4 مرات من الولايات المتحدة و6-12 مرة من ألمانيا، مما يجعل سداد الديون أكثر صعوبة ويحد من قدرتها على تمويل الاستثمارات وبرامج التنمية.
  • مدفوعات الفائدة العالية
    في عام 2023، بلغت مدفوعات الفائدة الصافية على الدين العام للدول النامية 847 مليار دولار، بزيادة 26% عن عام 2021. وخصصت 54 دولة نامية أكثر من 10% من إيراداتها الحكومية لتسديد الفوائد.
  • الاقتراض بالعملة الأجنبية (الدولار)
    تلجأ العديد من الدول النامية إلى الاقتراض بالدولار بسبب عجز الحساب الجاري، ما يزيد من أعباء الديون بسبب التزاماتها أمام المقرضين الدوليين.
  • الصراعات والحروب
    تواجه دول العالم الثالث حروباً وصراعات تؤدي إلى تغييرات هيكلية في اقتصاداتها وزيادة الإنفاق الأمني، مما يقلص الحيز المالي المتاح للتنمية ويزيد من الاعتماد على الاقتراض.
  • أسباب أخرى
    تشمل سوء الإدارة الاقتصادية، انتشار الفساد، ضعف السياسات المالية، وعدم كفاءة الأنظمة الضريبية.
A poor family eats food at a pavement in New Delhi, April 24, 2006. Global poverty rates have fallen by as much as 10 percent over the past five years with the biggest declines in India and [China, which account for about one in three people in the world, the World Bank said.]
48 دولة نامية تعاني من إنفاق حكوماتها على فوائد الديون أكثر مما تنفقه على التعليم والصحة (رويترز)

أبرز الآثار المدمرة للديون:

وصف تقرير للأمم المتحدة في أغسطس/آب 2023 أزمة الديون العالمية بأنها “كارثة تنموية تغذيها أزمة ديون ساحقة”، مشيرًا إلى أن نصف البشرية (3.3 مليار إنسان) يعيشون في بلدان تنفق على أقساط فوائد الديون أكثر مما تنفقه على التعليم أو الصحة.

ورغم ذلك، تُعتبر هذه الديون غير مؤثرة على النظام المالي العالمي لتركزها في بلدان فقيرة، وهو ما وصفه التقرير بـ”السراب”، مؤكداً أن هذه الأزمة تشكل فشلاً منهجياً على المستوى العالمي.

 وهذه أبرز الآثار المدمرة للديون:

  • استنزاف الموارد الوطنية

شهدت الدول النامية في عام 2022 تدفقات صافية سلبية بقيمة 49 مليار دولار، حيث دفعت أكثر لدائنيها مقارنة بما تلقته. هذا الاستنزاف للموارد يعوق التنمية ويثقل كاهل الشعوب.

  • تدهور منظومة التعليم والصحة

تعاني 48 دولة نامية من إنفاق حكوماتها على فوائد الديون أكثر مما تنفقه على التعليم والصحة، مما يؤثر سلباً على إنتاجية الشعوب والاستثمار في البنية التحتية. ويعد هذا مصدر قلق كبير يهدد مستقبل الأجيال.

وفقاً لتقرير الأمم المتحدة، تعكس أزمة الديون الحالية “ديناميكيات القوة الاستعمارية” المضمنة في النظام المالي العالمي المتقادم، الذي فشل في تقديم شبكة أمان لمساعدة الدول على مواجهة الصدمات مثل الأوبئة، أزمات المناخ، والحروب.

وبينما يمكن أن تكون الديون أداة للتنمية، فإنها تتحول إلى فخ يولد المزيد من الديون عندما تضطر الدول للاقتراض فقط من أجل البقاء الاقتصادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى