لمعالجة عجز بـ80 مليار دولار لبنان يسعى لاتفاق مع صندوق النقد

أعرب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام عن انفتاحه على مساهمة صندوق النقد الدولي في معالجة العجز المالي الضخم الذي يعاني منه لبنان، والذي يُقدر بنحو 80 مليار دولار. يأتي هذا التصريح في سياق الجهود المستمرة لإعادة هيكلة القطاع المالي ووضع برنامج اقتصادي شامل يهدف إلى استعادة الاستقرار الاقتصادي في البلاد. الوضع المالي في لبنان يتطلب إصلاحات جذرية و**إعادة هيكلة القطاع المصرفي**، وهو محور النقاش الحالي مع الصندوق.
وقعت بيروت اتفاقية مبدئية مع صندوق النقد الدولي في عام 2022، لكن تنفيذها تأخر بسبب الخلافات السياسية والاقتصادية. وقد استؤنفت المفاوضات بشكل جدي بعد تولّي الرئيس جوزيف عون منصبه، حيث يسعى رئيس الوزراء سلام إلى تحقيق تقدم ملموس في هذا الملف الحيوي.
قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتحدياته
يقترح البنك المركزي اللبناني برنامجًا يهدف إلى توزيع الخسائر المتراكمة على مختلف الأطراف المعنية – الحكومة، البنك المركزي، البنوك التجارية، والمودعين. هذا التوزيع يمثل تحديًا كبيرًا نظرًا للتعقيدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها لبنان.
ويهدف البرنامج إلى معالجة جذور الأزمة، والتي تعود بشكل أساسي إلى ممارسات مالية غير مستدامة، مثل خطط الودائع ذات الفائدة المرتفعة، والاقتراض المفرط، والتخلف عن سداد الديون السيادية. يعكس هذا النهج إدراكًا متزايدًا للحاجة إلى إصلاح هيكلي شامل في النظام المالي.
موقف صندوق النقد الدولي من الإصلاحات
أكد رئيس الوزراء سلام أن مشروع القانون قيد الإعداد سيكون مفتوحًا للتعديلات والنقاشات، ليس فقط لإرضاء صندوق النقد الدولي، بل أيضًا لأخذ آراء ومصالح مختلف الأطراف المعنية في الاعتبار. ويشدد الصندوق على ضرورة تطبيق سلسلة من الإجراءات والقوانين، بما في ذلك آلية لإعادة تنظيم القطاع المصرفي وخطة لسد العجز المالي، قبل الموافقة على أي تمويل إضافي.
الإجراءات الحكومية وتعزيز الثقة
أشار سلام إلى أن الحكومة اللبنانية قد أقرت بالفعل قوانين تهدف إلى زيادة الشفافية في المؤسسات المالية وإعادة هيكلة البنوك المحلية، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات لتعزيز استقلالية القضاء. تعتبر هذه الإجراءات خطوات مهمة نحو استعادة ثقة المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب.
يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، تفاقمت بسبب جائحة كورونا والانفجار المأساوي في مرفأ بيروت. وقد أدى ذلك إلى انهيار قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق، مما يزيد من صعوبة عملية الإصلاح الاقتصادي.
وتخلفت الدولة عن سداد سندات دولية بقيمة تقارب 30 مليار دولار منذ عام 2020، مما أدى إلى خسائر فادحة للمستثمرين. ومع ذلك، يرى البعض أن هناك فرصة لاستعادة جزء من هذه الخسائر في حال تم تطبيق الإصلاحات اللازمة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ارتفاع أسعار السندات وتوقعات المستقبل
شهدت السندات اللبنانية المتعثرة ارتفاعًا في قيمتها خلال العام الحالي، حيث راهن المستثمرون على أن الحكومة اللبنانية ستتمكن من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وإعادة هيكلة الديون. يعكس هذا التطور تحسنًا طفيفًا في معنويات السوق، ولكنه لا يزال مشروطًا بتحقيق تقدم ملموس في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وقبل انتخاب الرئيس عون، تعثرت المحادثات مع صندوق النقد بسبب الخلافات حول كيفية توزيع الخسائر بين الحكومة والبنوك والمودعين. أصرّ المُقرضون المحليون على أن تتحمل الحكومة العبء الأكبر من الخسائر، وهو ما رفضته الحكومة في البداية. الآن، يبدو أن هناك توافقًا تدريجيًا بين الأطراف المعنية حول الحاجة إلى تقاسم الخسائر بشكل أكثر عدالة.
يؤكد سلام أن مشروع القانون الخاص بإعادة هيكلة القطاع المصرفي سيكون جاهزًا لمناقشته في الحكومة قبل منتصف ديسمبر/كانون الأول القادم. وهذا يعتبر مؤشرًا إيجابيًا على أن لبنان يسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، تبقى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي معقدة، وهناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها قبل التوصل إلى اتفاق نهائي. المرحلة القادمة ستكون حاسمة لتحديد مستقبل **الاقتصاد اللبناني**، وتعتمد بشكل كبير على قدرة الأطراف السياسية والاقتصادية على التوصل إلى توافق حول الإصلاحات المطلوبة و**الديون السيادية**. كما يجب مراقبة التطورات المتعلقة بأسعار صرف الليرة اللبنانية وأسعار السلع الأساسية.





