مكتوم بن محمد.. رؤية اقتصادية تصنع المستقبل

نجح سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الأول لحاكم دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير المالية، منذ توليه مهام مسؤولياته في الأول من فبراير عام 2008، في إنجاز مسيرة حافلة بالنجاحات في مختلف القطاعات الاقتصادية، قطعت بها دولة الإمارات بشكل عام، ودبي على وجه الخصوص، أشواطاً جعلت من الدولة والإمارة نموذجاً يحتذى في التقدم والرخاء، في الوقت الذي قامت فيه هذه الإنجازات والنجاحات على رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، التي تستشرف المستقبل وتصنعه.
وتركزت مسؤوليات سمو الشيخ مكتوم بن محمد في مجالات العمل الحكومي والاقتصادي في دبي، وتولى سموه رئاسة العديد من الجهات والمجالس الحكومية والاقتصادية، وأسهم بشكل مباشر في رسم توجهات الإمارة ومستقبلها.
كما تمكن سموه طوال هذه السنوات في تغيير مفهوم هذه الإنجازات الاقتصادية الذي اعتادت عليه الدول والمدن، حيث أضاف إليها مفهوماً جديداً أشد ما تحتاجه الأمم في بناء مستقبل أجيالها المقبلة، وهو «الاستدامة الاقتصادية»، بمعنى أن ما نقوم به اليوم يجب أن تستفيد منه الأجيال المقبلة، بغض النظر عما يمر به العالم من تحديات وتغيرات وصعوبات، حتى نضمن حياةً تمتلئ بالاستقرار والرخاء اللذين يستحقانه أبناء هذا الوطن وكل من يعيش على أرضه.
وقد أكد سموه هذا المعنى في أكثر من مناسبة، حيث قال: «إن الاستثمار للأجيال القادمة يعني وضع رخائهم نصب أعيننا، وأن ما نحققه اليوم من أمن واستقرار وبنى تحتية وإنجازات، هو الإرث الذي نتركه لهم، تعلمت من مدرسة محمد بن راشد ألا نجعل مستقبل أبنائنا مرهوناً بتغيرات العالم أو تقلبات الاقتصاد، تعلمت من سموه أن تحقيق الأمن الاقتصادي إنجاز عظيم، لكن الأعظم تحقيق استدامة اقتصادية، تضمن لنا نجاح اليوم ورخاء الغد».
لكن لا يمكن النظر إلى تلك المسيرة الحافلة بالإنجازات والتي نجح سموه باقتدار في تحقيقها دون النظر إلى المدرسة التي نهل منها سموه من مبادئ وعزم حتى يمكن تحقيق تلك الطفرة الاقتصادية، وهي مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث آمن صاحب السمو بأن الإعداد للمستقبل يبدأ من اليوم، وبأنه لبلوغ هذا المستقبل المنشود المليء بريادة وتقدم دبي ودولة الإمارات، لا بد من وجود قادة أفذاذ، يمتلكون قدرات استثنائية، تؤهلهم لصنع المستحيل.
وقد أظهرت الأيام الأولى لتولي سموه مسؤولياته، رؤية وعزماً لصنع هذا المستحيل عبر مبادرات واستراتيجيات وأجندات اقتصادية تم إطلاقها، وهي تحتاج لقيادة لا يحد طموحها سقف ولا تعيقها أي تحديات.
البداية
لقد كانت البداية في الأول من فبراير عام 2008، حينما أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بصفته حاكماً لإمارة دبي، مرسوماً بتعيين سمو الشيخ مكتوم بن محمد، في منصب نائب حاكم إمارة دبي.
ومنذ اليوم الأول، وسموه لا يتوقف عن مفاجأة الجميع بمبادراته النوعية المبتكرة في رسم مستقبل اقتصادي مبهر لدبي، واضطلع سموه بدور ريادي في مسيرة نهضة الإمارة وتميزها. ومنذ اللحظات الأولى لتوليه مهامه ومسؤولياته الوطنية، انطلق سموه بعزيمة قوية وإرادة صلبة ورؤية مستقبلية بعيدة ليشارك القيادة الرشيدة في استكمال حلقات منظومة التنمية الشاملة.
والراصد لهذه المبادرات والاستراتيجيات يرى في القلب منها «أجندة دبي الاقتصادية D33» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والتي تضم 100 مشروع تحولي، بمستهدفات طموحة، تسعى إلى مضاعفة حجم اقتصاد دبي خلال العقد المقبل، وصولاً إلى عام 2033، وترسيخ موقعها ضمن أفضل 3 مدن اقتصادية حول العالم، وهو مسؤولية يلعب سمو الشيخ مكتوم بن محمد دوراً محورياً فيها.
دعم الشركات العائلية
وحفل العام الماضي بمبادرة مهمة وهي إطلاق سموه برنامج دبي لإدارة الشركات العائلية الذي يأتي ضمن أعمال مركز دبي للشركات العائلية الذي يعمل تحت مظلة غرف دبي، وبالشراكة مع مركز محمد بن راشد لإعداد القادة. وقال سموه حينها إن البرنامج يستكمل مسيرة البرامج والخطط التطويرية لتعزيز نجاح الشركات العائلية، لما تمثله من ضمانة لنمو مجتمع الأعمال في دبي.
وأضاف أن البرنامج يعد خطوة متقدمة لضمان استدامة واستمرارية الشركات العائلية عبر الأجيال المتعاقبة. وقال إننا نؤمن بأن جوهر الاستثمار المستدام يكمن في تنمية القدرات البشرية والكفاءات الإدارية.
برنامج «ثبات»
كما أطلق سموه برنامج «ثبات» لبناء الشركات العائلية، وهو برنامج طموح طورته وزارة الاقتصاد بهدف إحداث نقلة نوعية جديدة في بيئة أعمال الشركات العائلية بدولة الإمارات.
ويمثل البرنامج محطة مفصلية في دعم وتمكين الشركات العائلية وتحفيزها على تنويع أنشطتها وتوجيه استثماراتها نحو القطاعات الاقتصادية الجديدة بما يتماشى مع الأولويات الوطنية لدولة الإمارات ورؤيتها للأعوام الخمسين المقبلة.
ووضع برنامج «ثبات» مستهدفات طموحة تتمثل في تحويل 200 مشروع عائلي إلى شركات اقتصادية كبرى بحلول 2030 تقارب قيمتها السوقية حاجز الـ150 مليار درهم، وتحقق إيرادات سنوية تفوق 18 مليار درهم.
وحفلت أجندة سموه خلال العام الماضي بالعديد من اللقاءات المهمة والتي تستهدف وضع دبي على خارطة الاقتصاد العالمي، حيث التقى مع مسؤولي كبرى الشركات ومنهم بيتر هيرفيك، الرئيس التنفيذي لشركة «شنايدر إلكتريك»، الرائدة عالمياً في مجال التحول الرقمي لإدارة الطاقة والأتمتة، حيث تناول اللقاء علاقات التعاون التي تجمع دبي ودولة الإمارات بالشركة العالمية والتي تمتد إلى أكثر من 25 عاماً، وآفاق تعزيز هذا التعاون من خلال مقر الشركة في دبي، وما تهيّئه دبي لشركائها من فرص للتوسع والنمو، من خلال بيئة الأعمال الداعمة التي تواصل تطويرها بما يتماشى مع المتغيرات العالمية، ويتوافق مع تطلعات مؤسسات الأعمال العالمية التي تجد في دبي نقطة انطلاق الأمثل لتعزيز تواجدها وبرامجها ومشاريعها في المنطقة.
وأكد سموه خلال اللقاء حرص دبي ودولة الإمارات على توثيق التعاون مع المؤسسات والشركات العالمية المتخصصة في تقديم المنتجات والحلول والتقنيات الداعمة لأهداف التنمية المستدامة، وزيادة الاعتماد على موارد الطاقة النظيفة والمتجددة.
كما التقى سموه مع الرئيس والمدير التنفيذي للاستثمار والشؤون المالية في شركة «ألفابيت وغوغل»، إحدى شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، روث بورات.
وأكد سموه، خلال الاجتماع، حرص دبي على توثيق علاقات الشراكة والتعاون مع أهم وأبرز شركات ومطوري التكنولوجيا في العالم، إذ تمثل تلك الشراكات ركيزة أساسية تدعم رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لترسيخ مكانة دبي وجهة نموذجية رائدة لتعزيز وتسريع وتيرة مسيرة الابتكار والتكنولوجيا والتحول الرقمي على مستوى العالم، ونقطة لقاء محورية تجمع صناع ومطوري التكنولوجيا من مختلف أنحاء العالم، للتواصل والتعاون وتبادل المعرفة، والتزامها تزويد مطوري التكنولوجيا بمنصة رائدة لتشكيل ملامح المشهد التكنولوجي العالمي في المستقبل، بما توفره الإمارة من بيئة داعمة تمكن صناع التكنولوجيا ومطوريها من التوسع في أعمالهم، والنفاذ إلى أسواق واعدة في المنطقة.
وافتتح سموه خلال العام الماضي «إكسباند نورث ستار 2023»، وهو أكبر معرض ومؤتمر للشركات الناشئة على مستوى العالم نظمته غرفة دبي للاقتصاد الرقمي، إحدى الغرف الثلاث العاملة تحت مظلة غرف دبي.
وأكد سموه أن المعرض يترجم رؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تحويل دبي إلى واحد من أكثر الاقتصادات الرقمية ريادةً في العالم، وزيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في اقتصاد دبي، وتعزيز تنافسيتنا في السوق العالمي واقتصاد المستقبل.
وقال سموه: «واثقون بقدرة كوادرنا الوطنية المؤهلة على دفع عجلة نمو الاقتصاد الرقمي وترسيخ مكانة دبي مركزاً رائداً لرأس المال الرقمي العالمي، والمساهمة في تطوير حلول مبتكرة تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي».
إدراجات
وطول السنوات الماضية، قاد سموه سلسلة من الاكتتابات الناجحة لأبرز وأنجح شركات دبي، التي عكست الثقة الكبيرة في المنهج الاقتصادي القوي الذي تنتهجه إمارة دبي، وفي مؤسساتها الكبرى وبنيتها التحتية ذات المستوى العالمي.
فقد أعلن سموه، بصفته رئيس اللجنة العليا لتطوير أسواق المال والبورصات في دبي، عن إدراج 10 شركات حكومية وشبه حكومية في سوق دبي المالي، في خطوة من شأنها دعم القطاع المالي في الإمارة بشكل غير مسبوق، وتحفيز وتيرة النمو فيه لتحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات التي ترسخ مكانة دبي الرائدة بوصفها واحدة من أهم أسواق المال والأعمال في العالم.
ومن أبرز الاكتتابات العامة الأولية في سوق دبي المالي، التي أشرف عليها سمو نائب حاكم دبي، اكتتاب هيئة كهرباء ومياه دبي «ديوا»، الذي حقق طلباً قوياً، وإقبالاً استثنائياً من جانب المستثمرين المحليين والدوليين، باعتباره أكبر اكتتاب عام في الإمارات.
كما قامت مؤسسة الإمارات لأنظمة التبريد المركزي «إمباور» بإدراج جزء من أسهمها للتداول في سوق دبي المالي، في خطوة مهمة لتنفيذ رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بشأن عملية تطوير أسواق المال والبورصات في دبي، وتعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية في الإمارة، وترسيخ مكانتها مركزاً اقتصادياً عالمياً.
كذلك رحب سوق دبي المالي بإدراج أسهم شركة «سالك»، المشغل الحصري لبوابات التعرفة المرورية في دبي، في إطار الخطوات المتسارعة لتنفيذ استراتيجية تطوير الأسواق المالية في دبي عبر طرح حصص في 10 مجموعات رائدة.
صناع السوق
كما أعلن سموه عن تأسيس شركة «إكس كيوب» لتنظيم وتسهيل عمل شركات صناع الأسواق في سوق دبي المالي، وذلك كجزء من استراتيجية لجنة تطوير أسواق المال والبورصات في دبي، الهادفة إلى مضاعفة قيمة الأسواق المالية في الإمارة إلى ثلاثة تريليونات درهم خلال المرحلة المقبلة.
وتهدف الشركة إلى استخدام وتطوير الخوارزميات والتقنيات الحديثة، لدعم أنشطة صناعة السوق والتداول عالي الوتيرة للأسهم النقدية والمشتقات المالية المدرجة في الأسواق المالية المحلية لدولة الإمارات.
واعتمد سموه استراتيجية محاكم مركز دبي المالي العالمي الجديدة للأعوام (2022 ـــ 2024)، والتي تستهدف تطوير منظومة دعم قضائي وتحقيق عدالة أكثر إنجازاً عالمياً ووفق منظومة عمل متطورة توظف أحدث التقنيات الحديثة في الإجراءات والمعاملات.
وتركز الاستراتيجية على اتباع أعلى معايير الجودة في إنجاز الأعمال، من خلال 4 ركائز رئيسة، هي التميّز القضائي، والتميّز في توفير الخدمات المختلفة، والاعتماد على بنية تحتية توفر أحدث الوسائل التقنية في التواصل. وأطلق سموه محكمة خاصة بالتركات؛ للنظر في كافة دعاوى وطلبات التركات أمام جهة قضائية واحدة، ووفق إطار زمني محدد، وتندرج ضمن محاكم دبي؛ في سياق عملية التحديث المستمرة لمنظومة القضاء النوعي في دبي، والمساعي الرامية لجعل نظام التقاضي فيها الأفضل على مستوى العالم.
وأطلق سموه «قمة دبي للتكنولوجيا المالية»، بهدف رسم ملامح مستقبل القطاع المالي العالمي، وفي ترجمة لرؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، بتحويل دبي إلى مركز عالمي للابتكار، وتأكيد إسهامها كقوة دفع ذات تأثير إيجابي ملموس في تطوير مستقبل واعد للقطاع المالي على مستوى العالم.
وكشف التقرير السنوي لعام 2022 عن تحقيق وزارة المالية لمجموعة من الإنجازات المهمة؛ منها اعتماد موازنة الاتحاد للسنة المالية 2023 بما يدعم التنمية المستدامة ضمن مختلف القطاعات الحيوية في الدولة، والمشاركة الناجحة في الاجتماعات الدولية مثل اجتماعات مجموعة العشرين والاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى عملها على تأسيس نظام ضريبة الشركات في الدولة، فضلاً عن إطلاقها للسندات الحكومية المقومة بالدرهم الإماراتي.
وبهذا الاستعراض، تتلخص أبرز المبادرات والاستراتيجيات التي قام سموه بإطلاقها خلال السنوات الماضية، ويتبين لنا عظم المسؤوليات والملفات التي يديرها سموه بكل حكمة واقتدار، خاصة فيما يتعلق بالنواحي المالية لإمارة دبي، حيث استطاع سموه إحداث طفرة حقيقية في القطاعات المالية، انعكست هذه الطفرة على اقتصاد دبي بشكل عام، وارتقت به إلى مستويات من الصعب لأية مدينة أخرى بلوغها في الفترة نفسها.