مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر

القاهرة – أثار كتاب “بورتريهات البطالمة: الملوك اليونانيون كالفراعنة المصريين” للمؤرخ الفني الأمريكي بول إدموند ستانويك، اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية وعالم الآثار، خاصةً بعد ترجمته إلى اللغة العربية. يتناول الكتاب تحليلًا مفصلًا للتصوير الملكي في مصر خلال فترة حكم البطالمة، وهو ما يمثل نقطة تحول هامة في فهم الفن والثقافة المصرية القديمة. الكتاب الذي ترجمه الدكتور جلال الرفاعي وراجعه الدكتور حسين عبد البصير، يعد إضافة قيمة للمكتبة العربية في مجال علوم المصريات.
صدر الكتاب عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة، ويقدم دراسة شاملة لـ 150 صورة من البورتريهات ذات الطراز المصري التي تعود لحكام البطلمة، مُبرزًا التفاعل بين الفن المصري التقليدي والتأثيرات الهيلينستية. يهدف الكتاب إلى استكشاف كيف تبنى الملوك البطالمة الرموز والتقاليد المصرية لتعزيز سلطتهم وشرعيتها في عيون الشعب، وكيف تطورت هذه الصور لتشكل هوية بصرية فريدة.
فترة حكم البطالمة وتطور الفن
بدأت فترة حكم البطالمة في مصر عام 332 قبل الميلاد، بعد غزو الإسكندر الأكبر، واستمرت حتى عام 30 قبل الميلاد، عندما أصبحت مصر مقاطعة رومانية. تميزت هذه الفترة بمزيج فريد من الثقافات المصرية واليونانية، أثر بشكل كبير على الفنون والعمارة والعلوم. وفقًا للمترجم، تعتبر هذه الحقبة من أخصب فترات التاريخ المصري، حيث شهدت تطورات ملحوظة في مختلف المجالات.
يجدر بالذكر أن العصر الهيلينستي، الذي يندرج تحته حكم البطالمة، شهد انصهارًا بين الحضارات الشرقية والغربية، مما أدى إلى ظهور حضارة جديدة تتميز بالتناغم والابتكار. وقد انعكس هذا التفاعل الثقافي في الفن الملكي البطلمي، الذي استلهم من التقاليد المصرية القديمة، مع إضافة عناصر فنية يونانية.
التأثيرات الفنية والرموز المصرية
يركز ستانويك في كتابه على تحليل التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على بورتريهات البطالمة. ويشير إلى أهمية التقاليد الفنية الملكية الفرعونية الصارمة، والمراسيم الكهنوتية، والألقاب والمهام الملكية، والديانة المصرية القديمة، والنزعة اليونانية، وغيرها من العوامل التي ساهمت في تشكيل هذه الصور. ويلقي الكتاب الضوء على دور الديانة المصرية واليونانية في عملية التصوير الملكي.
دراسة البورتريهات الملكية: تحديات ومنهجيات
يستعرض الكتاب منهجية جديدة لدراسة البورتريهات الملكية البطلمية، تعتمد على الجمع بين النصوص القديمة، والأدلة الأثرية، والمخصصات الملكية، والمفاهيم الفكرية عن الملكية، والتحليل الفني للبورتريه نفسه. يهدف هذا المنهج إلى فهم المعاني والرموز الكامنة وراء هذه الصور، وكيف كانت تستخدم لتعزيز سلطة الملوك البطالمة.
ومن الجدير بالذكر أن عالم المصريات الألماني هانس فلوفغانغ ميلر وصف هذا المجال بأنه “أرض مجهولة” في عام 1961، مشيرًا إلى الحاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث. وقد ساهمت الاكتشافات الأثرية اللاحقة في إلقاء الضوء على هذا الفن، وإبراز أهميته الجديدة.
يختتم الكتاب بمناقشة النحاتين الملكيين والاتجاهات الأسلوبية في العصر البطلمي، ويقدم تحليلاً شاملاً للتطورات الفنية التي شهدتها هذه الفترة. ويؤكد المؤلف على أن بورتريهات البطالمة تمثل سجلاً دائمًا للقاء بين الحضارتين المصرية واليونانية، وتستحق الإشادة والتقدير.
من المتوقع أن يشجع هذا الكتاب على إجراء المزيد من البحوث والدراسات حول الفن والثقافة المصرية في العصر البطلمي. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن المركز القومي للترجمة يخطط لإصدار سلسلة من الكتب التي تتناول جوانب مختلفة من الحضارة المصرية القديمة، بهدف إثراء المعرفة العربية في هذا المجال. وستظل دراسات البورتريهات البطلمية مهمة لمتابعة التطورات في فهم هذا الجانب الهام من تاريخ مصر.





