مؤشرات مقلقة وأزمات متعاقبة.. ما واقع التعليم في فلسطين؟

رام الله – يواجه التعليم الحكومي الفلسطيني في الضفة الغربية أزمة متفاقمة تلقي بظلالها على أداء الطلاب والمعلمين، وتتأزم مع استمرار تداعيات الاحتلال الإسرائيلي والحرب في قطاع غزة. تسببت الأوضاع المالية الصعبة للسلطة الفلسطينية في تعطيل العملية التعليمية، وإضراب المعلمين، واقتحامات المدارس المتكررة، مما يهدد مستقبل الطلاب ويضعف المنظومة التعليمية بأكملها.
منذ بداية العام الدراسي الحالي، تشهد المدارس حالة من الارتباك بسبب الأزمة المالية التي تعيق صرف الرواتب بشكل كامل، مما أدى إلى تقليص أيام الدوام إلى ثلاثة أيام أسبوعياً. يواصل مئات المعلمين الإضراب عن العمل للمطالبة بمستحقاتهم المتأخرة، بينما تتوقف الدراسة بشكل متقطع بسبب اقتحامات القوات الإسرائيلية للمدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية. تضاف إلى هذه التحديات آثار جائحة كورونا التي أدت إلى تعطيل الدراسة لعدة أشهر في عام 2020.
أزمة التعليم الحكومي الفلسطيني: تداعيات مالية وسياسية
تعود جذور الأزمة المالية التي يعاني منها قطاع التعليم إلى نقص الإيرادات المتوفرة للسلطة الفلسطينية، خاصة بعد قيام إسرائيل بحجز أموال الضرائب الفلسطينية. أدى ذلك إلى تأخر صرف الرواتب بشكل مستمر، وتراكم الديون على السلطة، مما أثر بشكل مباشر على قدرتها على توفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم.
وبعيداً عن اتحاد المعلمين، وهو الجهة النقابية الرسمية، يقود “حراك المعلمين الموحد” إضرابات منذ بداية العام الدراسي، وحظيت بياناته بتفاعل واسع من المعلمين. يدعو الحراك إلى صرف الرواتب كاملة، وجدولة المستحقات المتأخرة، وصرف علاوة متأخرة بأثر رجعي، وضمان عدم المساس بأي معلم على خلفية عمله النقابي.
إضراب المعلمين وتأثيره على العملية التعليمية
وفقاً للأمين العام لاتحاد المعلمين الفلسطينيين، سائد ارزيقات، فإن نسبة المنقطعين عن العمل من المعلمين تصل إلى 10%، خاصة في جنوب الضفة الغربية. ويؤكد الاتحاد أنه يعمل على إيجاد حلول للأزمة، لكنه يواجه صعوبات بسبب الوضع المالي الصعب للسلطة.
في 12 نوفمبر الحالي، صرفت الحكومة الفلسطينية رواتب الموظفين عن شهر أغسطس بنسبة لا تقل عن 60% وبحد أدناه 2000 شيكل. لكن هذا المبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات المعلمين، ويؤدي إلى استمرار الإضراب وتفاقم الأزمة.
يؤكد خبراء التعليم أن استمرار الإضراب والتعطيل المتكرر للدراسة سيؤدي إلى تراجع مستوى الطلاب، وزيادة نسبة التسرب من المدارس، وتفاقم مشكلة الأمية.
تحديات إضافية تواجه التعليم في الضفة الغربية
بالإضافة إلى الأزمة المالية والإضرابات، يواجه التعليم في الضفة الغربية تحديات أخرى، مثل الاقتحامات الإسرائيلية للمدارس، والاعتقالات التي تطال الطلاب والمعلمين، وتدمير البنية التحتية التعليمية.
تسببت الحرب في قطاع غزة في مقتل وإصابة أعداد كبيرة من الطلاب والمعلمين، وتدمير العديد من المدارس والجامعات. كما أدت الحرب إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين، مما أثر على قدرتهم على الوصول إلى التعليم.
وحسب وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، قُتل في قطاع غزة 18 ألفاً و639 طالباً وطالبة وأصيب نحو 28 ألفاً آخرين خلال الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023. كما قُتل 792 معلماً ومعلمة وأصيب 3251 آخرون خلال الفترة نفسها.
مخاوف من تدهور مستوى التعليم
يشير الدكتور رفعت صباح، رئيس الائتلاف التربوي الفلسطيني، إلى أن الأزمات المتلاحقة أدت إلى تراجع مستوى الطلاب، وزيادة نسبة الفاقد التعليمي. ويقدر أن 40% من طلبة الصف الرابع الأساسي لا يجيدون القراءة والكتابة، وأن هذه النسبة قد تبلغ 60% في الوقت الحالي.
ويؤكد الدكتور صباح أن التعليم في فلسطين يواجه اليوم تحدياً وجودياً، وأن هناك حاجة إلى تدخل عاجل من جميع الأطراف لإنقاذ المنظومة التعليمية.
الأستاذة الجامعية إسراء أبو عياش تحذر من أن الأزمات الممتدة خلفت “كارثة وطنية” تتطلب حلولاً غير تقليدية تشارك فيها المؤسسات المدنية وغير الحكومية بدور أوسع.
من المتوقع أن تستمر الأزمة في قطاع التعليم الحكومي الفلسطيني في الضفة الغربية في ظل استمرار الأوضاع المالية الصعبة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتداعيات الحرب في قطاع غزة. يتطلب حل هذه الأزمة جهوداً مشتركة من جميع الأطراف، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، والمجتمع الدولي، والمؤسسات المدنية، لضمان حق الطلاب في التعليم، وحماية مستقبلهم.





