ماذا يعني قرار تركيا إعادة تشغيل خط السكك الحديدية المحاذي لسوريا؟

إسطنبول – أعلنت تركيا عن خطط لاستئناف تشغيل خط السكك الحديدية الاستراتيجي المحاذي للحدود السورية في أوائل عام 2026، في خطوة تهدف إلى إعادة تنشيط أحد أهم طرق النقل البري في جنوب البلاد بعد توقف دام حوالي 15 عامًا. يمتد هذا خط السكك الحديدية على مسافة 350 كيلومترًا تقريبًا، ويربط بين قراقاميش في ولاية غازي عنتاب ونصيبين في ولاية ماردين، مع فرع إضافي يصل إلى بلدة شنيورت الحدودية، مما يعزز أهميته اللوجستية والاقتصادية.
أكد وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو أن أعمال الصيانة والتأهيل الشاملة جارية على طول المسار، وذلك كجزء من خطة لإعادة تشغيل الخط الذي توقف بسبب الحرب في سوريا عام 2011. وقد أدت الظروف الأمنية المتدهورة إلى إهمال هذا الخط الحيوي لسنوات.
أهمية خط السكك الحديدية قبل الحرب
يعود تاريخ إنشاء هذا الخط إلى أوائل القرن العشرين، حيث بُني ضمن مشروع سكة حديد بغداد في العهد العثماني. ورغم أن معاهدة لوزان عام 1923 أكدت بقاءه داخل الأراضي التركية، إلا أنه ظل خطًا يوازي الحدود السورية لمسافة طويلة، مما جعله ذا أهمية جغرافية وتاريخية فريدة.
قبل اندلاع الأزمة السورية، لعب هذا الخط دورًا محوريًا في حركة التجارة البرية الإقليمية. فقد كان شريانًا أساسيًا لنقل البضائع والمواد الخام بين مدن جنوب تركيا والمناطق الشمالية من سوريا، بالإضافة إلى كونه ممرًا رئيسيًا للصادرات التركية المتجهة إلى أسواق الشرق الأوسط، وفقًا لتقارير وزارة التجارة التركية.
بسبب تكلفته المنخفضة مقارنةً بنقل البضائع بالشاحنات، ساهم الخط في تقليل أعباء النقل على التجار وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين، حيث كانت القطارات تنقل السلع التركية إلى سوريا ومن ثم إلى الأردن ودول الخليج بتكلفة أقل ووقت أقصر.
أهداف استراتيجية وراء إعادة التشغيل
يهدف المشروع، بحسب تصريحات أورال أوغلو، إلى زيادة قدرة تركيا على نقل البضائع وتعزيز الاتصال اللوجستي عبر حدودها الجنوبية. وهذا سيسمح بتوسيع نطاق نقل السلع إلى دول الجوار باستخدام السكك الحديدية.
يعني ذلك عمليًا تقليل الاعتماد على أساطيل الشاحنات والطرق البرية المكلفة، خاصة في نقل البضائع الثقيلة لمسافات طويلة. النقل بالسكك الحديدية يعتبر خيارًا أكثر كفاءة من حيث التكلفة واستهلاك الوقود، وقادرًا على نقل كميات كبيرة من البضائع دفعة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، تسعى أنقرة من خلال هذا المشروع إلى تحقيق أهداف إستراتيجية أوسع نطاقًا، بما في ذلك إحياء الممرات التجارية الجنوبية باتجاه المشرق العربي، وتعزيز دورها كمركز لوجستي إقليمي.
الوضع الحالي والتحديات
أوضح أورال أوغلو أن التحسن النسبي في الأوضاع الأمنية قد سمح باستئناف الأعمال المتوقفة في السنوات الأخيرة. وتشمل هذه الأعمال إصلاح البنية التحتية والفوقية، وتجديد الجسور والمنشآت الهندسية. من المتوقع أن تكتمل أعمال التأهيل بحلول نهاية العام الجاري، لتبدأ بعدها اختبارات التشغيل تمهيدًا لافتتاح الخط رسميًا في الربع الأول من عام 2026.
ومع ذلك، يرى محللون اقتصاديون أن نجاح المشروع يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، وسلاسة الإجراءات الإدارية والجمركية. تعتبر هذه العوامل حاسمة لجذب الشركات لاستخدام السكك الحديدية بدلاً من الطرق البرية.
إلى جانب ذلك، يشير خبراء في مجال النقل إلى أهمية تطوير البنية التحتية اللوجستية المحيطة بالخط، مثل إنشاء مراكز لتجميع وتخزين البضائع، وتقديم خدمات نقل متعددة الوسائط. هذا من شأنه أن يزيد من كفاءة الخط ويجعله أكثر جاذبية للمستثمرين والشركات.
يعد مشروع إعادة تشغيل خط السكك الحديدية هذا جزءًا من جهود تركيا الأوسع نطاقًا لتطوير شبكة السكك الحديدية لديها وتعزيز دورها كمركز عبور تجاري بين الشرق والغرب. وتشمل المشاريع الأخرى العمل على مشروع “طريق التنمية” مع العراق، ومشروع إعادة إحياء خط سكة حديد الحجاز التاريخي بالتعاون مع سوريا والأردن. ومن الجدير بالملاحظة أن نجاح هذه المشاريع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحسين العلاقات الدبلوماسية والأمنية في المنطقة.
من المتوقع أن تشهد الأشهر القليلة القادمة تركيزًا على اختبارات التشغيل والتنسيق مع الجانب السوري لضمان سلاسة حركة القطارات عبر الحدود. سيراقب المراقبون عن كثب التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة، بالإضافة إلى التقدم المحرز في أعمال التأهيل، لتقييم مدى احتمالية تحقيق الهدف المحدد وهو إعادة تشغيل الخط في أوائل عام 2026.




