من حصار طويل إلى “مسرح جريمة”.. هكذا تصدرت الفاشر الاهتمام الدولي

بعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في شمال دارفور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شهدت المدينة موجة عنف غير مسبوقة، مما وضع الفاشر في قلب اهتمام دولي متزايد. وتأتي هذه التطورات بعد أكثر من عام ونصف من القتال العنيف في السودان، حيث وثقت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والعنف الجنسي والنهب، مما أثار مخاوف بشأن وقوع جرائم حرب محتملة.
وتعتبر الفاشر، التي كانت آخر مدينة كبرى في دارفور خارج سيطرة الدعم السريع، ذات أهمية استراتيجية كبيرة. وسقوطها يمثل نقطة تحول في الصراع، ويعرض مئات الآلاف من المدنيين للخطر، خاصةً مع استمرار الحصار الذي تعاني منه المدينة منذ فترة طويلة.
1- كيف دفعت الفاشر الملف السوداني إلى صدارة الاهتمام الدولي؟
برزت الفاشر في مقدمة المشهد الدولي بسبب موقعها الاستراتيجي كآخر معقل رئيسي للمدنيين في دارفور. وسقوطها في يد الدعم السريع أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن مصير المدنيين، خاصةً مع تاريخ الإقليم في العنف العرقي.
ومع ذلك، لم يكن السقوط العسكري هو العامل الوحيد الذي جذب الانتباه. فقد ساهمت التقارير المتزايدة عن الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك عمليات القتل والاغتصاب والنهب، في تحويل الفاشر إلى قضية إنسانية وحقوقية دولية ملحة. وقد أدت هذه التقارير إلى فتح تحقيقات من قبل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
2- ما طبيعة الانتهاكات في الفاشر وعلى طرق النزوح؟
أكدت الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية وقوع انتهاكات واسعة النطاق في الفاشر بعد سيطرة الدعم السريع. وتشمل هذه الانتهاكات الإعدامات الميدانية، والعنف الجنسي، والنهب المنظم للمنازل والمتاجر، واستهداف المرافق الصحية. وذكر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر أن ما حدث في الفاشر يشكل “فظائع جماعية”.
بالإضافة إلى ذلك، وثقت التقارير انتهاكات على طرق النزوح، حيث تعرض المدنيون للهجوم والسرقة والاعتداء أثناء محاولتهم الفرار من القتال. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يواجه النازحون صعوبات كبيرة في الحصول على الغذاء والماء والمأوى.
أزمة المستشفى السعودي
أحد أبرز الأمثلة على الانتهاكات هو الهجوم على المستشفى السعودي في الفاشر، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 460 شخصًا، وفقًا لتقارير متعددة. وقد أثار هذا الهجوم غضبًا دوليًا واسعًا، ودعوات إلى تحقيق مستقل ومحاسبة المسؤولين.
3- هل حملت الانتهاكات أبعادًا عرقية؟
تشير العديد من التقارير إلى أن الانتهاكات في الفاشر قد حملت أبعادًا عرقية. فقد استهدفت قوات الدعم السريع بشكل خاص أفرادًا من قبائل معينة، مثل المساليت، الذين تعرضوا بالفعل لانتهاكات واسعة النطاق في مناطق أخرى من دارفور. وقد أثار ذلك مخاوف بشأن خطر وقوع إبادة جماعية.
وحذر الاتحاد الأفريقي من أن استهداف المدنيين في الفاشر يتجاوز إطار المواجهة العسكرية، ويميل بوضوح إلى نمط “عنف موجّه ضد مجموعات سكانية محددة”.
4- كيف انعكس الاهتمام الأممي على مواقف الدول؟
أدى الاهتمام الأممي المتزايد بالوضع في الفاشر إلى تغيير في مواقف العديد من الدول. فقد أصدرت أكثر من 20 دولة غربية بيانًا مشتركًا يدين الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، ويدعو إلى وقف فوري للهجمات وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
ويعكس هذا البيان إجماعًا دوليًا متزايدًا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقديم المساعدة للمدنيين المتضررين. كما يشير إلى استعداد دولي للتدخل لحماية المدنيين في الفاشر.
5- التحديات المستمرة والمستقبل
لا يزال الوضع في الفاشر بالغ التعقيد والخطورة. فبالإضافة إلى الانتهاكات المستمرة، تواجه المدينة أزمة إنسانية حادة بسبب الحصار ونقص الغذاء والماء والدواء. كما أن هناك خطرًا متزايدًا من تفاقم العنف وانتشار الأزمة إلى مناطق أخرى من دارفور.
من المتوقع أن تستمر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الضغط على أطراف النزاع لوقف العنف وحماية المدنيين. ومع ذلك، فإن تحقيق ذلك يتطلب تعاونًا دوليًا قويًا والتزامًا حقيقيًا بإنهاء الأزمة في السودان. الفاشر تحتاج إلى تدخل فوري لضمان سلامة المدنيين، وتقديم المساعدات الإنسانية، والتحقيق في الانتهاكات المرتكبة. الفاشر، ووضعها الإنساني المتدهور، ستظل على جدول أعمال المجتمع الدولي في الأسابيع والأشهر القادمة، مع التركيز على إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية لإنهاء الصراع.
ما يجب مراقبته في المستقبل القريب هو استجابة الدعم السريع للضغوط الدولية، وقدرة الأمم المتحدة على الوصول إلى المحتاجين في الفاشر، وتطورات المفاوضات السياسية بين الأطراف المتنازعة. الفاشر تمثل اختبارًا حقيقيًا لمسؤولية المجتمع الدولي تجاه السودان.





