Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تكنولوجيا

من “زيروكس بارك” إلى “آبل”.. قصة ميلاد الحوسبة الشخصية

في قلب وادي السيليكون، يظل مختبر الأبحاث “زيروكس بارك” (Xerox PARC) علامة فارقة في تاريخ التكنولوجيا، ومصدر إلهام مستمر للابتكارات الحديثة. فقد شهد هذا المختبر، الذي تأسس كجزء من شركة “زيروكس”، ولادة العديد من التقنيات التي غيرت طريقة تفاعلنا مع الحواسيب، وأرسى دعائم ما نعرفه اليوم بالحوسبة الشخصية. وتعتبر الحوسبة الشخصية من أهم الثمار التي أثمرها هذا المختبر الرائد.

تأسس “زيروكس بارك” في عام 1969، كاستجابة لتحديات جديدة تواجه شركة “زيروكس” بعد انتهاء صلاحية براءات اختراعها الرئيسية في مجال آلات النسخ. كان الهدف هو استكشاف آفاق جديدة في مجال التكنولوجيا، وتطوير حلول مبتكرة تتجاوز حدود أعمال “زيروكس” التقليدية. وقد أثبت هذا المختبر أنه حاضنة للأفكار التي شكلت مستقبل التكنولوجيا.

عصر ما قبل الحوسبة الشخصية

في ستينيات القرن الماضي، كان عالم الحوسبة يتركز في أيدي الشركات الكبرى والمؤسسات العلمية، حيث كانت الحواسيب عبارة عن أجهزة ضخمة ومعقدة تتطلب خبرة متخصصة لتشغيلها. اعتمدت هذه الأجهزة على أوامر نصية معقدة، مما جعلها بعيدة عن متناول المستخدم العادي.

ومع ذلك، بدأ الباحثون في استكشاف طرق جديدة لجعل الحواسيب أكثر سهولة وفاعلية. ففي عام 1968، قدم دوغلاس إنغلبارت، من “معهد ستانفورد للأبحاث”، عرضًا توضيحيًا لـ “نظام NLS”، الذي تضمن أول فأرة حاسوب، وواجهة مستخدم رسومية بسيطة. كان هذا العرض بمثابة نقطة تحول في تاريخ التفاعل بين الإنسان والحاسوب.

لكن هذه الابتكارات لم تجد طريقها إلى التطبيق التجاري الفوري. في المقابل، استثمر “زيروكس بارك” في تطوير هذه الأفكار، ونتج عن ذلك في عام 1973 جهاز “زيروكس ألتو”، الذي يعتبر أول حاسوب شخصي مزود بواجهة مستخدم رسومية وفأرة.

رؤية لمستقبل المعلومات

كان “زيروكس ألتو” بمثابة نموذج أولي للحواسيب الشخصية الحديثة. فقد قدم مفهوم النوافذ الرسومية، والقوائم المنسدلة، والأيقونات، التي جعلت التفاعل مع الحاسوب أكثر بديهية وسهولة. ومع ذلك، لم تستثمر شركة “زيروكس” بشكل كامل في تسويق هذا الجهاز، مما أتاح الفرصة لشركات أخرى للاستفادة من هذه التقنيات.

من بين هذه الشركات، كانت “آبل” بقيادة ستيف جوبز. في عام 1979، زار جوبز “زيروكس بارك” وتأثر بشدة بواجهة المستخدم الرسومية التي شاهدها. عاد جوبز إلى “آبل” وأمر فريقه بتطوير واجهة مماثلة، مما أدى إلى إطلاق جهاز “ماكنتوش” في عام 1984.

لم يقتصر تأثير “زيروكس بارك” على واجهة المستخدم الرسومية والفأرة. فقد طور المختبر أيضًا تقنيات أخرى مهمة، مثل طابعات الليزر، وشبكات الحاسوب المحلية (Ethernet)، والبرمجة الكائنية التوجه. وقد ساهمت هذه التقنيات في تطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات بأكملها.

من المختبر إلى العالم الرقمي الحديث

على الرغم من أن “زيروكس بارك” لم يحقق النجاح التجاري الذي كان متوقعًا، إلا أنه ترك إرثًا هائلاً في عالم التكنولوجيا. فقد ألهم جيلًا من المهندسين والمبرمجين، وساهم في تطوير العديد من التقنيات التي نعتمد عليها اليوم. كما أثبت أهمية الاستثمار في البحث والتطوير، وتشجيع الابتكار.

في عام 2002، تحول “زيروكس بارك” إلى كيان مستقل يركز على البحث والتطوير في مجالات جديدة، مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، وإنترنت الأشياء. وفي عام 2023، تبرعت شركة “زيروكس” بالمختبر إلى “معهد ستانفورد للأبحاث”، بهدف تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال التكنولوجيا.

من المتوقع أن يستمر “معهد ستانفورد للأبحاث” في دعم الأبحاث والتطوير في “زيروكس بارك”، مع التركيز على المجالات التي يمكن أن تحقق أكبر فائدة للمجتمع. ويشمل ذلك تطوير تقنيات جديدة في مجال الرعاية الصحية، والتعليم، والطاقة المتجددة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه هذا المختبر، مثل المنافسة الشديدة من الشركات الكبرى، وصعوبة جذب المواهب المتميزة. وسيتطلب الأمر جهودًا متواصلة لضمان استمرار “زيروكس بارك” في لعب دور رائد في عالم الابتكار التكنولوجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى