هل تتجه أميركا نحو أزمة ديون ضخمة؟

ينطلق تقرير حديث من صحيفة “وول ستريت جورنال” بتحليل المخاطر المحتملة التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، مع التركيز على التشابهات مع التحديات التي تواجهها بعض الدول الأوروبية. ويشير التقرير إلى أن تزايد الدين الأمريكي، إلى جانب الاعتبارات السياسية، قد يقيد قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات اقتصادية حاسمة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الاستدامة المالية للولايات المتحدة.
التقرير يربط بين الوضع الحالي في الولايات المتحدة وبين التجارب في المملكة المتحدة وفرنسا، حيث أظهرت السياسات المالية صعوبة التوفيق بين إرضاء الدائنين، وكسب التأييد الشعبي، واتخاذ القرارات الاقتصادية السليمة. ويحذر من أن الولايات المتحدة قد تواجه قريبًا معضلة مماثلة، خاصة مع اقتراب موعد اتخاذ قرارات صعبة بشأن الميزانية والإنفاق الحكومي.
الدين الأمريكي وتحديات السياسة المالية
تعتبر قضية الدين الأمريكي من القضايا التي تثير قلق الاقتصاديين والمحللين الماليين على مستوى العالم. فمع تزايد العجز الفيدرالي، يرتفع مستوى الدين العام، مما يضع ضغوطًا على الاقتصاد ويقلل من المرونة المالية للحكومة. ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة تتمتع بمساحة مالية أكبر من بعض الدول الأوروبية، إلا أن هذا لا يعني أنها بمنأى عن المخاطر.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن دين المملكة المتحدة قد يصل إلى 95% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يقترب دين الولايات المتحدة من 100% مع عجز يتجاوز 7% من الناتج. هذا العجز يمثل أحد أعلى المعدلات بين الدول المتقدمة، مما يجعله نقطة ضعف رئيسية في الاقتصاد الأمريكي.
مخاطر الاعتماد على الدولار
لطالما اعتمدت الولايات المتحدة على مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية لتمويل عجزها وتخفيف الضغوط المالية. ومع ذلك، يرى التقرير أن هذا الوضع بدأ يتغير، حيث تظهر عدة تهديدات لقوة الدولار وهيمنته على النظام المالي العالمي.
من بين هذه التهديدات، اتساع المعروض من الدولار بسبب العجز المالي الكبير، والتحول التدريجي نحو استخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية، وزيادة اهتمام بعض الدول مثل الصين وروسيا وتركيا بتعزيز احتياطياتها من الذهب كبديل للدولار. بالإضافة إلى ذلك، يثير استخدام واشنطن للأدوات المالية كأداة للضغط السياسي قلقًا بين بعض الحلفاء.
ويؤكد التقرير أن هذه العوامل لم تؤثر بشكل حاسم على قيمة الدولار حتى الآن، لكنها جميعًا تساهم في تآكل الثقة في العملة الأمريكية. والخطر الأكبر يكمن في اللحظة التي تبدأ فيها الأسواق في استشعار هذه التغيرات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة وهروب المستثمرين الأجانب.
التشابه مع الأزمات الأوروبية
يرسم التقرير موازاة بين الوضع الحالي في الولايات المتحدة وبين الأزمات المالية التي شهدتها بعض الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة. ويستشهد بأحداث أبريل الماضي، عندما ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية فجأة بسبب مخاوف من انهيار محتمل في سوق السندات، وهو سيناريو مشابه لما حدث في بريطانيا خلال فترة رئاسة ليز تراس للحكومة.
ويذكر التقرير بأن الاحتياطي الفيدرالي اضطر في عام 2020 إلى شراء أكثر من تريليون دولار من السندات الحكومية لإنقاذ السوق خلال فترة الإغلاقات بسبب جائحة كوفيد-19. هذا يدل على مدى حساسية سوق السندات الأمريكية لأي علامات تدل على عدم الاستقرار المالي.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن السياسيين الأمريكيين يواجهون مهمة صعبة للغاية في الحفاظ على ثقة المستثمرين في سندات الخزانة، مع السعي في الوقت نفسه لإعادة انتخابهم. ويقول التقرير إن “أمريكا تستطيع الاتكاء على الدولار.. لكن ليس إلى الأبد”.
من المتوقع أن يستمر النقاش حول سقف الدين الأمريكي في الأشهر القادمة، مع احتمال حدوث مواجهات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول كيفية التعامل مع العجز الفيدرالي. وسيكون من المهم مراقبة تطورات سوق السندات الأمريكية، وردود فعل المستثمرين الأجانب، وأي تغييرات في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. الوضع الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مسار الدين الأمريكي ومستقبل الدولار.





