Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اقتصاد

هل يصمد قرار ترامب بكبح أسعار الأدوية في أميركا؟

واشنطن – في ظل مؤشرات على تراجع شعبيته وتزايد الانتقادات لأدائه الاقتصادي خلال الـ100 يوم الأولى من ولايته الثانية، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى طرح ملف يلامس معاناة الأميركيين اليومية: تكاليف الأدوية والرعاية الصحية.

ورغم أن المحاولة السابقة خلال ولايته الأولى تعثّرت بسبب تحديات قانونية وأُلغيت لاحقًا، وقّع ترامب يوم الاثنين أمرًا تنفيذيًا يقضي بتحديد أسعار الأدوية في الولايات المتحدة استنادًا إلى أسعارها في الدول الأخرى. وقال في مؤتمر صحفي “الأميركيون يدفعون أحيانًا ما بين 5 إلى 10 أضعاف ما تدفعه دول أخرى لنفس الأدوية، المصنعة في نفس المصانع”، متعهدًا بتصحيح هذا الوضع الذي وصفه بـ”غير المقبول”.

وقد تباينت ردود الأفعال بين من رحّب بهذه الخطوة، باعتبارها استجابة طال انتظارها للحد من “جشع” شركات الأدوية، وبين من رأى فيها توجّهًا تنفيذيًا يفتقر إلى أدوات قانونية فاعلة. كما أعربت منظمات وشركات أدوية عن قلقها من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى اضطراب السوق أو التأثير سلبًا على مساحة البحث والابتكار في الصناعات الدوائية.

آمال المرضى

ينفق الأميركيون سنويًا على الأدوية الموصوفة أكثر من أي شعب آخر في العالم. إذ يتجاوز متوسط إنفاق الفرد في الولايات المتحدة 1564 دولارًا سنويًا، وفق بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو المعدل الأعلى بين جميع دول المنظمة.

السياسة الجديدة تستند إلى مبدأ ربط الأسعار بأقل تكلفة معتمدة في دول متقدمة (رويترز)

وتأمل “ليلى”، وهي مواطنة أميركية من ذوي الدخل المحدود، أن ينعكس القرار فعليًا على فواتير الأدوية لعائلتها، خاصة وأنها تعتمد على تغطية “ميديكيد” الصحية الحكومية. وقالت لموقع الجزيرة نت “أسمع عن الأوامر التنفيذية والوعود الانتخابية، لكن ما يشغلني هو أن أستطيع صرف أي دواء لي أو لابني دون التفكير مرتين. أنا بحاجة لأن أشعر بالتغيير في الصيدلية، لا على شاشة الأخبار”.

أما “سوزان”، وهي متقاعدة أميركية تعيش في ضواحي واشنطن، فترى أن القرار “لا يعني لها شيئًا”. فهي تتناول دواءً باهظ الثمن منذ سنوات، لكنها تدفع 5 دولارات فقط شهريًا بفضل تغطيتها الصحية. وتضيف “أنا لا أثق بترامب أبدًا. هو لا يهتم فعليًا بالرعاية الصحية، بل يحاول تلميع صورته وكسب أصوات كعادته. الإصلاح يتطلب تغييرًا جذريًا في علاقة الدولة بلوبي الأدوية”.

سياسات الاستيراد

يعيد القرار التنفيذي الجديد إحياء محاولة سابقة من عهد ترامب لتطبيق سياسة “الدولة الأكثر تفضيلًا”، تربط أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بأدنى الأسعار المعتمدة في دول متقدمة. وقد طُرحت هذه السياسة لأول مرة عام 2020 كقاعدة تنظيمية، إلا أن المحاكم الفدرالية جمّدتها في أواخر ذلك العام لأسباب إجرائية، قبل أن تسحبها إدارة بايدن رسميًا في عام 2021.

وأعربت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية عن دعمها لجهود خفض الأسعار، مشيرة إلى أنها ستطور آليات تنفيذ تشمل التفاوض مع الشركات وتوسيع التوزيع المباشر. كما أعلنت إدارة الغذاء والدواء استعدادها لتسريع الموافقات على الأدوية الجنيسة.

ولمّح القرار إلى إحياء سياسات استيراد الأدوية من الخارج لتوفير بدائل أرخص للمستهلك الأميركي. لكن خبراء يرون أن هذه الآلية قد تواجه عوائق تنظيمية، لا سيما أن دولًا مثل كندا أعربت سابقًا عن رفضها أن تُستخدم كمصدر رئيس للسوق الأميركية بسبب محدودية إمداداتها الداخلية. وبغياب اتفاقات واضحة مع الدول المصدّرة، يبقى خيار الاستيراد محدود الأثر وقد لا يكون قابلًا للتنفيذ الواسع في المدى القريب.

غموض آليات التنفيذ

عبّرت منظمة “مرضى من أجل أدوية بأسعار معقولة”، وهي منظمة غير ربحية معنية بخفض الأسعار، عن ترحيبها بالقرار باعتباره اعترافًا من الإدارة بضرورة معالجة ارتفاع الأسعار الذي أثقل كاهل الأميركيين. إلا أن المنظمة، وفي مراسلة خاصة للجزيرة نت، أبدت عدة تحفظات تتعلق بصعوبة تنفيذ القرار، من أبرزها:

  • غياب تعريف واضح لما يُعد “تدابير صارمة” في حال عدم امتثال شركات الأدوية.
  • غموض بشأن آليات تنفيذ فعلية من قبل وزارة الصحة.
  • عدم توضيح كيفية دمج نموذج التوزيع المباشر مع أنظمة التأمين الحالية.
  • عراقيل محتملة أمام استيراد الأدوية من الخارج.
  • غموض التداخل مع برنامج “ميديكير” الحكومي لتفاوض الأسعار.
  • ضعف موارد لجنة التجارة الفدرالية لممارسة رقابة فعالة.

فجوات قانونية

وفي أول رد فعل رسمي، أصدرت رابطة شركات الأدوية الأميركية “فارما” بيانًا وصفت فيه سياسة “السعر الأكثر تفضيلًا” بأنها “إجراء خطير وغير مسؤول”، محذرة من أنه “يستورد أنظمة تسعير حكومية أجنبية ويعرّض المرضى الأميركيين لخطر فقدان الوصول إلى أدويتهم”.

رابطة شركات الأدوية الأميركية تعتبر القرار تهديدًا للابتكار والاستثمار في الصناعات الدوائية (رويترز)

وأضاف البيان أن هذه السياسة “ستقوض الابتكار الطبي وتثني الشركات عن الاستثمار في الأبحاث والعلاجات الجديدة، دون ضمان خفض فعلي في الأسعار”.

ويرى محللون في اقتصاد الصحة أن هذا النوع من السياسات قد يفرض أعباءً إضافية على برامج التأمين الفدرالية مثل “ميديكير” و”ميديكيد”، ما لم تُعدَّل بنية سلاسل الإمداد. كما يشيرون إلى أن الأثر الفعلي للقرار قد يبقى محدودًا ما لم يتم توفير شبكة دعم قانونية وتشريعية، تشمل تدخل الكونغرس لمنح وزارة الصحة صلاحيات موسعة أو لتعديل بعض بنود التمويل.

وتحذر جولييت كوبانسكي، نائبة مدير برنامج سياسة “ميديكير” في “مؤسسة كايزر للأسرة”، من أن القرار رغم شعبيته لدى الرأي العام، يثير تساؤلات قانونية لم يجَب عنها بعد، من أبرزها: بأي سلطة يمكن للإدارة فرض هذه الأسعار؟ وما الدول المرجعية التي ستُعتمد؟ إذ تختلف أنظمة التسعير جذريًا بين دول مثل كندا وألمانيا -حيث تتدخل الدولة مباشرة- والولايات المتحدة التي تعتمد على السوق الحرة وهوامش الربح.

وترى كوبانسكي، في تحليل خاص أطلعت عليه “الجزيرة نت”، أن بعض بنود القرار قد تواجه رفضًا داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي يتحفظ تقليديًا على أي تدخل حكومي مباشر في تسعير الأدوية. وتضيف أن ربط الأسعار بأسواق أجنبية قد يدفع الشركات لتعويض خسائرها عبر رفع الأسعار في الخارج، مما قد يؤدي في النهاية إلى غياب أثر فعلي على المستهلك الأميركي.

عقدة براءات الاختراع

في صلب أزمة الأسعار المرتفعة، تبرز إشكالية براءات الاختراع، إذ تلجأ شركات الأدوية إلى ما يُعرف بـ”التحسينات الثانوية” لإطالة أمد احتكار الدواء دون تقديم ابتكار فعلي، وهو ما ينعكس سلبًا على ميزانية الصحة العامة. فكل سنة تأخير في دخول الأدوية الجنيسة إلى السوق قد تكلف الحكومة مليارات الدولارات.

وبحسب دراسة صادرة عن منظمة “آي ماك” المعنية بإصلاح نظام البراءات الدوائية عالميًا، فإن الأدوية الأربعة الأعلى مبيعًا في الولايات المتحدة تحمل ما بين 68 و108 براءات، بمعدل احتكار فعلي يصل إلى 19 عامًا، منها 6 سنوات إضافية بفضل “التحسينات الإضافية”.

ورغم تركيز القرار الرئاسي على خفض الأسعار من خلال المقارنة الدولية، فإنه لا يتطرق إلى إصلاح بنية نظام البراءات أو الحد من “تكديس” البراءات، الذي يمثل أحد أبرز أدوات حماية الأسعار المرتفعة. ويرى خبراء أن غياب هذا البعد التشريعي، وغموض آليات التنفيذ، قد يسمح للشركات بمواصلة إضافة براءات ثانوية تتيح لها الحفاظ على أسعارها المرتفعة، حتى لو نجحت الحكومة في فرض سقوف جديدة مؤقتًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى