“أزرق المايا”: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ضياعها

أزرق المايا، لونٌ فريدٌ من نوعه ارتبطت به حضارة المايا القديمة، عاد إلى الظهور بفضل جهود الحرفي لويس ماي كو في قلب غابات يوكاتان بالمكسيك. بعد عقود من الاعتقاد بفقدان سر صبغته، نجح ماي في إعادة ابتكار هذا اللون السماوي الذي استخدم في الطقوس والفنون، مما يثير اهتمامًا علميًا وثقافيًا واسعًا.
أزرق المايا: لون الطقوس والتراث
لطالما كان اللون الأزرق ذا أهمية خاصة في ثقافة المايا، حيث استخدم في تزيين المعابد والمنحوتات وحتى في طلاء أجسام ضحايا القرابين، كما تشير النصوص التاريخية. يعود تاريخ هذا اللون إلى أكثر من 2000 عام، وهو ليس مجرد صبغة بل مزيج كيميائي معقد من مواد عضوية وغير عضوية، مما يجعله فريدًا ومقاومًا للتدهور بشكل ملحوظ.
يقول ماي، وهو من أصل مايا، إنه استغرق سنوات من البحث والتجربة للعثور على المكونات الصحيحة وإعادة إنتاج هذه الصبغة الثمينة. واجه تحديات كبيرة، بما في ذلك ندرة المواد الخام وفقدان المعرفة التقليدية، لكنه لم يستسلم أبدًا.
الرحلة نحو إعادة الاكتشاف
بدأت رحلة ماي في البحث عن “أزرق المايا” في قريته دزان، حيث سمع قصصًا عن أسلافه الذين استخدموا هذا اللون في فنونهم وطقوسهم. اكتشف أن المكون الرئيسي للصبغة هو نبات النيلة، المعروف محليًا باسم “تشوج”، والذي كان يعتبر في السابق نباتًا عاديًا.
ومع ذلك، لم يكن العثور على نبات النيلة كافيًا. كان ماي بحاجة أيضًا إلى معرفة كيفية استخلاص الصبغة من النبات وكيفية مزجها مع الطين الخاص، المعروف باسم الباليجورسكيت، لإنتاج اللون الأزرق المميز. استعان بخبرات كبار السن في القرية وقام بدراسة المخطوطات القديمة لفك شفرة هذه العملية المعقدة.
التركيبة الفريدة والخصائص المذهلة
وفقًا للتحليلات العلمية التي أجراها باحثون في إيطاليا والمكسيك، فإن “أزرق المايا” يتكون من مزيج من الإنديغوتين، وهو صبغة زرقاء طبيعية مستخرجة من نبات النيلة، والباليجورسكيت، وهو نوع نادر من الطين. يؤدي تسخين هذا المزيج إلى تفاعل كيميائي ينتج عنه لون أزرق سماوي فريد يتميز بمقاومته العالية للضوء والحرارة والمواد الكيميائية.
تلك الخصائص المميزة هي التي سمحت لـ “أزرق المايا” بالبقاء محفوظًا على الجداريات والتحف القديمة لقرون عديدة. ويعتبر هذا اللون الآن رمزًا للفخر الثقافي لحضارة المايا.
الاعتراف العلمي والتحديات المستقبلية
في يناير 2023، حصل ماي على اعتراف علمي بتركيبته الفريدة لـ “أزرق المايا” من قبل باحثين في معهد علوم التراث التابع للمجلس الوطني للبحوث في إيطاليا وجامعة بويبلا المستقلة في المكسيك. أكدت التحاليل أن الصبغة التي أنتجها ماي مطابقة تمامًا للصبغة الأصلية التي استخدمها المايا القدماء.
على الرغم من هذا النجاح، يواجه ماي تحديات كبيرة في الحفاظ على هذا التراث الثقافي وتعزيزه. ويفتقر إلى الدعم المالي الكافي من الحكومة المكسيكية، مما يعيق قدرته على إنتاج الصبغة بكميات كبيرة وتوزيعها على نطاق واسع. كما أنه يخشى أن يتم استغلال تركيبته من قبل الشركات التجارية دون احترام حقوق الشعوب الأصلية.
ومع ذلك، يظل ماي مصممًا على مواصلة عمله وإلهام الأجيال القادمة للحفاظ على ثقافة المايا. ويأمل في إنشاء مركز ثقافي في قريته لتعليم الشباب كيفية إنتاج “أزرق المايا” واستخدامه في الفنون والحرف اليدوية.
الاستدامة والتأثير المجتمعي
يركز ماي حاليًا على زراعة نبات النيلة بشكل مستدام في مزرعته العائلية، مع إشراك أفراد المجتمع المحلي في هذه العملية. يهدف إلى توفير فرص عمل جديدة وتحسين الظروف المعيشية في قريته من خلال الترويج لـ “أزرق المايا” كمنتج ثقافي فريد.
بالإضافة إلى ذلك، يسعى ماي إلى التعاون مع الفنانين والحرفيين المكسيكيين لاستخدام “أزرق المايا” في أعمالهم الفنية، مما سيساعد على زيادة الوعي بهذا اللون التاريخي وتعزيز الفخر الثقافي.
من المتوقع أن تستمر الأبحاث العلمية حول “أزرق المايا” في السنوات القادمة، بهدف فهم أعمق لخصائصه الفريدة وتطبيقاته المحتملة. كما يجب على الحكومة المكسيكية أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في دعم جهود ماي والحفاظ على هذا التراث الثقافي الثمين. المستقبل سيحدد ما إذا كان “أزرق المايا” سيستعيد مكانته كرمز للفن والروحانية في حضارة المايا.





