أزمة “تمكين”.. هل فتح عباس بابا جديدا للرضوخ أم للإصلاح؟

في ظل تزايد الرفض الدولي للسياسات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية، اتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرارًا بإعادة النظر في صرف رواتب الأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين. يرى محللون أن هذا الإجراء قد يهدف إلى دعم الرواية الإسرائيلية، بينما يرى آخرون أنه سعي لإعادة توزيع عادل للمستحقات دون المساس بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
أثار تحويل ملف الرواتب إلى مؤسسة “تمكين” موجة غضب واسعة، خاصة بعد دعوة المؤسسة، يوم الثلاثاء، المستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية والمساعدات النقدية لاستلام مستحقاتهم، لكن عائلات الأسرى والشهداء لم تجد أي مبالغ مخصصة لهم.
انقلاب على التضحيات؟
تسببت هذه الخطوة في تنظيم وقفات احتجاج واعتصامات في محافظات رام الله ونابلس من قبل أهالي الأسرى والشهداء والجرحى، تعبيرًا عن رفضهم لقطع الرواتب من قبل المؤسسة التي يثير وضعها القانوني جدلاً.
أصدر الرئيس عباس بيانًا أوضح فيه دوافعه لوقف صرف المخصصات، ودور “تمكين” في هذا السياق، مؤكدًا أن القرار جزء من برنامج إصلاح شامل تتبناه القيادة الفلسطينية.
لكن نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، انتقد القرار بشدة، معتبرًا أنه لا يحظى بدعم شعبي لأنه يمسّ تقدير تضحيات الأسرى والشهداء الذين ساهموا في تشكيل القيادة الفلسطينية الحالية.
وصف خريشة الخطوة بأنها “انقلاب على قيم وتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني”، مؤكدًا أنه من غير المقبول التعامل مع هذه الفئة كحالات اجتماعية تحتاج إلى مساعدة.
على الرغم من محاولة الرئيس عباس التأكيد على أنه صاحب القرار، يرى خريشة أن هذا لن يوقف الاحتجاجات، وأن تحويل ذوي الشهداء والأسرى إلى متسولين أمر غير مقبول.
وأشار خريشة إلى أن “تمكين” ليست مؤسسة حكومية تخضع لموازنة السلطة، بل هي مؤسسة اجتماعية قد تتوقف عن الصرف في حال نفاد التمويل، معتبرًا أن تقزيم أوضاع الأسرى والشهداء يهدف إلى تثبيط عزيمة الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال.
إصلاحات إدارية أم تنازلات سياسية؟
دافع الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني محمد هواش عن القرار، موضحًا أنه يهدف إلى إعادة تنظيم صرف رواتب الأسرى إداريًا وليس إلى قطعها، مؤكدًا أن حقوق هذه الفئة قضية وطنية لا خلاف عليها.
وأشار هواش إلى أن القرار يأتي في إطار سعي السلطة الفلسطينية إلى إجراء إصلاحات إدارية، وتلبية مطالب دولية وإقليمية تتعلق بتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب.
لكن هواش لم ينكر أن القرار قد يهدف إلى تخفيف الضغوط على السلطة الفلسطينية، مؤكدًا أن “تمكين” هي مؤسسة حكومية تعمل ضمن الهيكل الإداري للحكومة منذ عام 2019، وتهدف إلى تحقيق العدالة في توزيع المستحقات.
في المقابل، رد خريشة على تصريحات هواش، معتبرًا أن هذه القرارات لا يمكن قبولها في ظل غياب مجلس تشريعي منتخب، وأن الإصلاح الحقيقي يجب أن يبدأ بتحقيق مطالب الفلسطينيين في إجراء انتخابات ديمقراطية.
وأشار إلى أن تبرير القرار بالسعي لحل مشكلة أموال المقاصة المجمدة من قبل إسرائيل لم يعد مقنعًا.
باب جديد للرضوخ؟
يرى هواش أن القرار قد يساهم في تحسين العلاقات مع إسرائيل، وتخفيف حدة التوتر، لكنه يتوقع استمرار الاحتجاجات والاعتراضات.
بينما يرى خريشة أن القرار يفتح “بابًا جديدًا للرضوخ”، وأن إسرائيل ستطلب المزيد من التنازلات، مؤكدًا أن هذا القرار يخدم المصالح الإسرائيلية أكثر من المصالح الفلسطينية.
من جهته، يرى الخبير في سياسات الشرق الأوسط الدكتور محجوب الزويري أن توقيت القرار لافت ومثير للريبة، لأنه يتزامن مع محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحسين صورته الدولية.
ويعتقد الزويري أن القرار قد يهدف إلى إقناع المجتمع الدولي بأن الفلسطينيين يقبلون بالوضع الراهن، وأنهم مستعدون للتعايش مع الاحتلال.
وأشار إلى أن هذا القرار يأتي في وقت يتهم فيه العالم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وبالتالي يمكن لتل أبيب استخدامه كدليل على أنها تتعامل مع الفلسطينيين بشكل إنساني.
يتوقع الزويري أن السلطة الفلسطينية لن تتراجع عن هذا القرار، وأن الاحتجاجات ستستمر، لكنه يرى أن هناك حاجة إلى حوار وطني شامل لمعالجة هذه القضية الحساسة.
من المتوقع أن تستمر الاحتجاجات الفلسطينية ضد هذا القرار خلال الأيام القادمة، مع احتمال تصاعدها إذا لم يتم التوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف. تبقى مسألة دفع الرواتب للأسرى والشهداء والجرحى قضية مركزية في الخطاب السياسي الفلسطيني، وتعتبر من الثوابت الوطنية التي لا يمكن المساس بها. ستراقب الأوساط السياسية الفلسطينية والدولية عن كثب تطورات هذا الملف، وتأثيره على المشهد السياسي والأمني في المنطقة.





