أستراليا تُعد لمظاهرة كبرى نصرة لغزة ورفضا للإبادة والتجويع

كانبيرا- يتهيأ الشارع الأسترالي، يوم الأحد المقبل، لأكبر مظاهرة تضامنية مع قطاع غزة منذ بداية الحرب تحت شعار “لا تنسوا غزة.. لا تسكتوا عن الجريمة”.
وتتوقع ملبورن وسيدني ومدن أخرى مشاركة الآلاف وتضامنا يليق بالقضية في أنحاء البلاد من العاصمة كانبيرا وبرزبين إلى أدلايد وبيرث، للتركيز على صورة المأساة الإنسانية في القطاع وتسليط الضوء على الإبادة الجماعية والتجويع وتدمير المستشفيات والمدارس، وفق تعبير أحد منظمي المظاهرة المنتظرة.
وفي قلب ملبورن المدينة المعروفة بتنوعها الثقافي وحيادها السياسي النسبي ظلت تنطلق مظاهرات أسبوعية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، متخذة من أمام مكتبة ولاية فكتوريا منطلقا لها ضد صمت العالم إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة.
تحديات أمنية
وتضمنت الاحتجاجات شعارات تطالب بوقف الدعم العسكري لإسرائيل وفرض عقوبات دولية ومحاسبة مرتكبي الجرائم وضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتتحول في العام 2025 إلى مظاهرات أكثر تنظيما واستمرارية وأعلى صوتا وزخما، دون أن يثنيها صمت الحكومة الأسترالية.
وتأتي المظاهرة المرتقبة وسط تحديات أمنية، وأشار القائمون عليها إلى أن بعض المدن لم تحصل بعد على موافقة رسمية لتنظيمها، أبرزها برزبين حيث منعت شرطة ولاية كوينز لاند عبور المتظاهرين جسر ستوري بدعوى مخاوف السلامة وانسيابية حركة المرور، لكن المنظمين أكدوا عزمهم الطعن في هذا القرار قضائيا.
أما مدينة سيدني فقد شهدت في 3 أغسطس/آب الجاري أكبر مظاهرة في تاريخ أستراليا الحديث، حيث عبر عشرات الآلاف جسر ميناء سيدني رغم اعتراضات الشرطة التي حذرت من أخطار التدافع.
وكانت المحكمة العليا قد منحت الضو الأخضر للتجمع، وبلغت المشاركة 90 ألفا وفق الشرطة، وما يصل إلى 300 ألف حسب المنظمين.
ورغم وصف الشرطة الوضع بأنه الأخطر على الإطلاق فإن المشهد انتهى دون إصابات بفضل تعاون المشاركين والمنظمين.
ووفق خطة المنظمين، فإن المظاهرة الكبرى في مدينة ملبورن يوم الأحد المقبل ستنطلق من مكتبة ولاية فكتوريا في منتصف النهار، وفي أدلايد من فكتوريا سكوير باتجاه البرلمان، في حين ستشهد برزبين تجمعا عند رايموند بارك، وتتحرك مسيرة بيرث من فوريست بالاس إلى حديقة هايد بارك.

تحوّل كبير
وفي تصريح للجزيرة نت، أوضح رئيس شبكة مناصرة فلسطين في أستراليا ناصر مشني أن فعاليات مماثلة ستقام أيضا في العاصمة كانبيرا ومدن أخرى، وأن المسيرة التي ينظمها ائتلاف منظمات داعمة لفلسطين تطالب بوقف العدوان على غزة وفرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير السلاح إليها.
وأضاف مشني أنه تم تقديم عشرات الطلبات إلى الشرطة لتنظيم المظاهرة الوطنية في مختلف مدن البلاد، ويتوقع مشاركة مئات الآلاف فيها، ويرى أنها تمثل تحولا في مسار الاحتجاجات، قائلا “بعد أن كان تعبير الشعب الأسترالي باحتجاجات أسبوعية تحول إلى مظاهرة وطنية كبرى”.
وتابع “نقول للحكومة الأسترالية إن الاعتراف بفلسطين ليس كافيا، ونطالب ببذل المزيد من الجهود لمحاكمة إسرائيل، يجب إنهاء الدعم العسكري لها وطرد سفيرها واستدعاء سفير أستراليا من تل أبيب”.
وشدد مشني على ضرورة محاسبة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، وتقديم كل من تورط في حرب الإبادة بالقطاع لهذه المحكمة.
وأكد أنها مظاهرات إنسانية ويصر منظموها على إبراز مأساة المستشفيات والمدارس المدمرة في غزة وتجويع المدنيين المحاصرين واستهداف الصحفيين لإخفاء الحقيقة.
بدوره، قال الناشط الحقوقي جيمس كاليين للجزيرة نت “نحن لا نحتاج إلى مزيد من البيانات، بل إلى مواقف واضحة توقف الجرائم اليومية في غزة”، مؤكدا أن المظاهرة ستكون رسالة قوية ضد “العبث الذي تقوم به إسرائيل”.

تنوع
وما يميز احتجاجات أستراليا هو تنوع المشاركين من عرب وأفارقة ونقابات عمالية وطلاب جامعات وحركات نسوية، وحتى يهود مناهضين للصهيونية.
ويرى مراقبون أن هذه التركيبة المتعددة جعلت من التضامن مع فلسطين مساحة جامعة لا تُختصر في هوية واحدة، بل تعبر عن قيم إنسانية مشتركة.
وقالت الناشطة العربية الأسترالية ليلي المصري للجزيرة نت إن الضغط الشعبي يصنع الفارق، وإن استمرار الحراك يبقي القضية الفلسطينية حاضرة في الضمير العام ويحرج الساسة أمام جمهورهم، مؤكدة أن المظاهرة المرتقبة ستكون الأكبر والأكثر تنوعا.
وعلى الرغم من أن القانون الأسترالي يضمن حرية التعبير فإن بعض المظاهرات واجهت تضييقا من الشرطة شمل منع استخدام مكبرات الصوت أو فرض شروط إضافية، كما تعرّض طلاب وموظفون في القطاع العام لتحذيرات بسبب منشوراتهم المؤيدة لفلسطين.
كما اصطدمت الاحتجاجات بجدار الرواية الإعلامية التقليدية التي غالبا ما تتبنى السردية الإسرائيلية، ووصفت المتظاهرين بأنهم “مثيرو شغب”.
في المقابل، لعب الإعلام المستقل ومنصات التواصل الاجتماعي دورا محوريا في نقل الرواية الفلسطينية وصوت الشارع الأسترالي.
وكانت قضية الصحفية الأسترالية أنطوانيت لطوف -التي فُصلت من عملها في ديسمبر/كانون الأول 2023 بعد مشاركتها منشورا على صفحتها، وهو تقرير حقوقي عن استخدام إسرائيل التجويع سلاح حرب- قد كشفت حجم الرقابة على الأصوات الإعلامية المؤيدة لفلسطين حتى داخل الديمقراطيات الغربية، قبل أن تنتصر لها المحكمة لاحقا.

ويُتوقع أن يكون عدد المشاركين كبيرا، مما سيشكل ضغطا متناميا يرفض الحرب ويطالب بوقف الإبادة في غزة، ويؤكد مراقبون أن ما يحدث في ملبورن وسيدني ومدن أستراليا الكبرى يعكس تحولا عميقا في وعي المجتمع الأسترالي، خصوصا الشباب الذين باتوا يرون فلسطين جزءا من معركتهم الأخلاقية ضد الظلم.
وأفاد الناشط الحقوقي جيمس كاليين للجزيرة نت بأن ملبورن وباقي المدن الأسترالية ستقول للعالم يوم الأحد المقبل إن “الصمت ليس خيارا حين تحترق غزة”، وإن هذه المظاهرة ليست مجرد حدث، بل فصل جديد في نضال الشارع الأسترالي من أجل العدالة والضمير الإنساني.