Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

أصحاب الفكر والرأي ودورهم القادم في سوريا الجديدة.. الكتابة ونهاية الطغيان

بعد 54 عاماً من الحكم بالحديد والنار، يصعد بشار الأسد إلى العربة الخامسة في قطار الربيع العربي الذي توقف عنوةً في دمشق لمدة 14 عاماً، حيث خلّف نظامه مئات القتلى ودمرّ آلاف المنازل وزجّ الآلاف في أقبية معتقلات لم تشهدها دولة في التاريخ. ويتحدث كتّاب سوريون للجزيرة نت عن آرائهم تجاه ما جرى هناك خلال الأيام القليلة الماضية عقب سقوط الأسد، ورؤيتهم للمستقبل.

انهيار حقبة وبدء أخرى

يقول الروائي فواز حداد الذي كان لقلمه دور فاعل بالإطاحة بنظام بشار “في الواقع، لم يكن للمثقف، وأقصد المثقف الوطني ليس مثقف النظام، دور بارز في الإطاحة بنظام الطاغية، وإذا كان هناك دور، فهو عدم الصمت. والأمر الحسن أنّ الضمير لم يمت طوال ما يزيد على نصف قرن من القمع الممنهج”.

وأشار إلى أنَّ “المثقف الوطني قدّم مؤخرا أفضل ما لديه خلال محنة 14 عاماً من السجون والمنافي سواءً كتابة المقالات والقصائد، والقصص والروايات، إلى الكاريكاتير والفن التشكيلي والغناء والمسرح، مكرسة كلها لحماية شعبنا”.

ويؤكد حداد في حديثه للجزيرة نت أنه “إذا لم يكن للكلام كما للكتابة من جدوى بالغة التأثير في إسقاط النظام، لكن المثقف استطاع إبقاء القضية السورية حية، والعمل باستمرار على ألا تغيب طموحات وآمال وعذابات السوريين عن الساحة العربية والدولية”.

وعن دور المثقفين السوريين الذين نزحوا وتهجروا في مختلف دول العالَم في إسقاط نظام بشار، يقول حداد “كان للمثقفين الفضل في الكتابة عن تجاربهم في المعتقلات وفي العمل السري والمشاركة في المظاهرات والإغاثة، وشهاداتهم عن آلية عمل الاستبداد، وفضح جرائمه”.

الروائي السوري فواز حداد كان له دور فاعل بالإطاحة بنظام الأسد من خلال القلم (مواقع التواصل)

ويتحدث الروائي عن دور الباحثين في توثيق ممارسات النظام الوحشية من خلال “تقصي خفايا السجون السرية والأجهزة الأمنية والتعذيب القسري والمحاكم الميدانية والإعدامات والتعذيب حتى الموت، وضحايا الحرب الطويلة التي شُنت على الشعب”.

وعن دور الكتابة في نهاية عهد الطغيان، يقول حداد “نحن في عصر لا تُفلح فيه إلا القوة، لذلك تبدو الكتابة أكثر من عامل إضاءة لمجرد أنها توثق وتشهد على أحوال المجتمع تحت ظروف قاسية إلى حد المجاعة، وتدهور الوضع الاقتصادي، ووجود نحو 10 ملايين من السوريين موزعين بين خيام النزوح وبلدان اللجوء، والخراب الذي عمّ بينما كان الطاغية يمارس حالة انكار مستمرة”.

وتحدث الروائي عن رأيه في المستقبل كمثقف سوري يعيش في المنافي قائلاً “لن نبالغ ونقول إنَّ مستقبل سوريا بات معروفا. ما هو معروف هو العمل على الدولة المدنية، الديمقراطية والانتخابات، الدستور، القانون.. هذا هو الهدف لكن كيف يتحقق؟ تلك هي المسيرة التي ستبدأ”.

وأضاف “يجب أن يكون للمثقفين الدور الأكبر، يوفره مناخ من الحريات، مع التشبث باستقلاليتهم حتى عن الدولة، بهذا يستطيعون فعل ما فاتهم فعله من قبل. كانوا مطاردين ومعتقلين أو مبعدين أو غافلين، اليوم تحرر المثقف”. وأكّد حداد أنه “يمكن القول إن بوسع الثقافة فعل الكثير لمستقبل الوطن”.

سوريا وأهلها أحرار

يقول البروفيسور نجيب جورج عوض “إن سقوط نظام الاستبداد والإجرام الذي قمع شعب سوريا 50 عاماً انتصار تاريخي عظيم لهذا الشعب الحر على جلاديه وسجانيه. انتصرت الثورة الحرة التي دعمتها من اللحظة الأولى ووقفت معها وحملت صوتها وقضيتها إلى كل المنابر على جانبي المحيط الأطلسي، ودفعت مع أهلي وإخوتي أثماناً مهولة لموقفي هذا، كأكاديمي صاحب فكر ورأي وصوت، على أحد أبشع وأعنف وأفسد وأكثر أنظمة التاريخ شراً”.

وعن الحدث، يقول الأكاديمي عوض “التغيير في سوريا سيغير وجه الشرق الأوسط بلا رجعة وسيفتح الأبواب عريضة لسيرورات بنيوية ووجودية وتكوينية جديدة وغير مسبوقة”. وأضاف “ستتطلب منا الكثير من الجهود الفكرية والعقلانية والسياسية لتفكيكها وتحليلها وسبرها وصناعة إستراتيجيات ممارسة منها”.

وعن دور صاحب الفكر والرأي في مسيرة إعادة بناء سوريا دولتها ومجتمعاتها من جديد، يقول البروفيسور نجيب عوض في حديثه للجزيرة نت “أعتقد جازماً أنّ دوري ودور باقي السوريين من أصحاب العلم والفكر والرأي ينبغي ألا يمر أي نموذج (مثقف التعبئة العام) -الذي عرفناه منذ مطلع القرن العشرين (خاصة مع المثقفين الوجوديين الفرنسيين بعد الحرب العالمية الأولى)- قد هيمن على المشهد السوري خلال العقود الخمسة الماضية”.

انتصرت الثورة الحرة، التي دعمتها من اللحظة الأولى ووقفت معها وحملت صوتها وقضيتها إلى كل المنابر على جانبي المحيط الأطلسي، ودفعت مع أهلي وأخوتي أثماناً مهولة لموقفي هذا، كأكاديمي صاحب فكر ورأي وصوت
جورج عوض: انتصرت الثورة وقد دفعت مع أهلي وإخوتي أثماناً مهولة (مواقع التواصل)

ويوضح “نحتاج في سوريا المستقبل أن يلعب مفكرو وأصحاب الرأي والعلم السوريون دور المثقف الذي تتمثل مهمته الأساسية في التحليل والتفسير والتنبيه والمعارضة والدعوة الدائمة للتقييم والنقد. نحتاج لمثقف يحمل صوت الشارع إلى الدولة ومنظومات السلطة، لا أن ينقل أوامر ورغبات وأيديولوجيات السلطة والقوة المهيمنة إلى الشارع ويعمل على غسل العقول كي تحتضنها”.

وأكد عوض أنَّ “سوريا عانت كثيراً من أدوار مفكري ومثقفي السلطة والنظام الأسدي الساقط في العقود الخمسة الماضية”. وعن مسؤولية المثقف في المرحلة المقبلة يقول “إننا كأصحاب علم وفكر ورأي نحمل على عاتقنا مسؤولية هائلة في سوريا القادمة وطريق إعادة بنائها الطويل والشاق والمعقد والمليء بالصعوبات المهولة والمخيفة”.

وعن يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 وماذا يمثل له، يؤكد الأكاديمي السوري “كان يوم انتصار وفرح وتحرر عظيم يستحق التبجيل والاحتفال والغبطة العميقة. كل هذا كي تبقى سوريا حرة وأهلها أحرارا”.

مثقفون في بلاد المنافي

يقول الكاتب والروائي ثائر الناشف المقيم في النمسا عن الحياة الثقافية في سوريا فترة حكم نظام الأسد إنها “لم تكن ثمة حياة ثقافية ذاخرة بالفنون والآداب في سوريا أثناء حكم الأسد، فالمثقفون الأصيلون هربوا قبل عقود من البلاد إلى المنافي، أَمَّا مَن قبل البقاء تحت ظل السلطة فقد أصبح جزءا منها، والأخيرة لم تكن ترى في الثقافة سوى مرآة تستخدمها لتلميع صورتها أمام الرأي العام”.

وعن الفجوة الثقافية العميقة والهوة السحيقة التي أحدثها النظام طيلة سنوات حكمه، يؤكد الناشف في حديثه للجزيرة نت “ينبغي علينا المساهمة الجادة والفاعلة في ردمها من خلال إطلاق سلسلة مشاريع ثقافية، أساسها عقد المراجعات النظرية والموضوعية”.

وفيما يتعلق بترميم الهياكل الفنية والأدبية ودعم مشاريع وطموحات الشباب في جميع المؤسسات والمراكز والصالونات والمنتديات، يرى الناشف أنّه “ينبغي ألا يفوتنا أيضا الالتفات إلى النظام التعليمي باعتباره جزءا راسخا من الثقافة، فالتعليم الجيد حجر الزاوية لأي بناء ثقافي”.

وعن الدور الذي يجب على المثقف القيام به في بناء مستقبل سوريا، يقول الناشف “ينتظرنا دور كبير أقله توجيه أنشطتنا الثقافية باتجاه سوريا الجديدة، وعدم الاقتصار على بلدان المنفى والشتات، فعظم الأدباء والروائيين والمترجمين والفنانين والشعراء والمسرحيين والمفكرين السوريين يصدرون إنتاجهم الثقافي من بلدان المنفى، وأعتقد أنه حان الوقت لكي يكونوا على مقربة من جماهيرهم في الوطن الوليد”.

بناء الإنسان ووحدة المجتمع

يقول الأستاذ بجامعة دمشق الدكتور عبد الله المجيدل عن دور المثقفين في هذه المرحلة التي تشهدها الساحة السورية “يشكل أسقاط منظومة الفساد السابقة محطة مهمّة في تاريخ سوريا، إذ لا ندرك الآن في غمرة احتفالات الشعب بالنصر الأهمية التاريخية لما حصل من جهة، والأدوار المهمة أيضا المنوطة بالنخب السورية المثقفة، من جهة أخرى، والتي تتمثل في إعادة البناء، على المستويين الفكري من خلال بناء المواطن، والمستوى المتعلق بالبنية الفيزيقية لإعادة الإعمار”.

ويؤكد المجيدل “لابد أن تعمل تلك النخب المثقفة بمختلف السبل والوسائط على إعادة تشكيل وعي الفرد بالانتماء، وهو الأساس الرئيس لمفهوم المواطنة، والذي يضع الضوابط، والقواعد الناظمة للتعايش، والتكامل، والوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع”. ويضيف “تُعد المواطنة عاملاً مهماً في عملية توطيد العلاقات الاجتماعية بين مكونات المجتمع المتعددة، كونها تعني المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية، والإثنية، والسياسية، والثقافية”.

أَمَّا على المستوى التربوي فيؤكد المجيدل في حديثه للجزيرة نت “لا شك أننا أحوج ما نكون الآن لفلسفة تربوية جديدة تعكس الفلسفة العامة للبلد في مجمل تطبيقاتها العملية على الواقع، والعمل على تضمين الفلسفة السياسية لسوريا الجديدة في المناهج التعليمية، والتي تهدف بطبيعة الحال إلى تمكين الفرد فكراً وسلوكاً بأسس المواطنة”.

وذكّر المجيدل النخب الفكرية المؤثرة، في المرحلة الراهنة، بالتجارب العالمية التي قدمت مثالاً واضحاً بالعمل الطوعي في بناء الأوطان “إذ تشكل التجربة الألمانية في العمل التطوعي بالبناء بعد دمار الحرب دليلاً على قدرة الشعوب في بناء أوطانها”.

سوريا الجديدة وتحديات النهوض

يقول الناشر والمترجم سامح خلف المقيم في السويد “انطوت فجر يوم الأحد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 حقبة مظلمة ومؤلمة من تاريخ سوريا الحديث. فرّ الدكتاتور إلى جهة غير معلومة، مستبقاً وصول الثوار إلى دمشق، حاملاً معه ما خفّ وغلا ثمنه من أموال الدولة، مثل أي لصّ وضيع”.

ويضيف “حلمنا طويلاً بهذه اللحظة، لحظة التحرّر التي دفعنا ثمنها غالياً ونتطلع إلى أن تكون بداية جديدة لوطننا الذي نريد له أن يكون وطناً عادياً وطبيعياً، يسعنا جميعاً، مثل كل الأوطان الطبيعية التي يحبها ناسها وسكانها”.

ويلفت خلف في حديثه للجزيرة نت إلى “إنّنا لا نريد لسوريا أن تكون وطناً مثالياً. نريده وطناً يعاني من مشاكل عادية، اقتصادية وسياسية تجري فيه انتخابات دورية وتتنافس فيه الأحزاب ويتم تداول السلطة سلمياً. نريده وطناً ديمقراطياً، تعددياً، متنوع الأعراق والأديان واللغات والثقافات، يحكمه القانون وتُصان فيه الحريات والملكيات الخاصة، اقتصاده حرّ وعلاقاته طبيعية مع جواره ومع العالم”.

الناشر والمترجم سامح الخلف
سامح الخلف: تحتاج الحياة السورية النهوض والتعافي والخروج من نفق الاستبداد المظلم (الجزيرة)

وعن ممارسات نظام الأسد خلال ما يزيد على نصف قرن، يؤكد خلف “مزّق النظام البائد المجتمع السوري وزرع الفرقة بين أطيافه وألّب الطوائف ضدّ بعضها بعضاً. لذلك أمام السوريين الكثير من العمل من أجل إصلاح الخراب الذي خلّفه النظام المنهار على جميع المستويات”.

وأوضح “لم يترك نظام حافظ أسد وابنه جانباً من جوانب الحياة السورية إلا وزرعا فيه الفساد والنهب والغشّ والارتشاء، حتى أصبح هذا النهج سلوكاً شبه عام في المجتمع”.

وعن مهمة ودور المثقف في المرحلة المقبلة، يبيّن الخلف “تحتاج الحياة السورية إلى النهوض والتعافي والخروج من نفق الاستبداد المظلم والطويل، وهذه مسؤولية تقع على عاتق النخب السياسية والأكاديمية والثقافية التي لم تتلوث بوباء فساد نظام آل الأسد. وتتحمل هذه النخب مسؤولية إحياء الحياة السياسية والثقافية بتحديث قوانين تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات وتخليصها من طاعون الحزب الواحد (القائد في المجتمع والدولة)”.

وختم خلف حديثه “تقف سوريا اليوم على عتبة تاريخية مليئة بالتحديات.. والآمال العريضة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى