“أصوات الغد” في خيمة رهف.. ناد لدعم الأمل بين فتيات غزة

غزة- في خيمة وسط مدينة دير البلح، تقيم رهف مبادرتها “أصوات الغد”، وهي عبارة عن ناد للفتيات للإبداع والتميز يضم 60 فتاة تتراوح أعمارهن بين 13 و17 سنة.
لا تهدف رهف لمجرد نشاط عابر، بل تحاول تقديم فرصة حقيقية لفصل الطالبات عن الواقع الأليم الذي يعشنه يوميا. ففي هذا النادي يجدن متنفسا من ثِقل الحرب، ومكانا يستطعن فيه أن يضحكن، أو يرسمن، أن يحلمن، بعيدا عن أصوات الانفجارات.
وتريد رهف للنادي أن يكون ملاذا آمنا، يمكّن الفتيات من اختبار لحظات طبيعية من سعادتهن المفقودة، وتعليمهن كيفية التعبير عن مشاعرهن من خلال الفن والرسم واللعب والأنشطة البسيطة.
نافذة على العالم
ولا تُعتبر خيمة النادي مجرد خيمة أو مساحة مغلقة، بل نافذة مفتوحة نحو عالم آخر، أكثر رحمة، تستطيع فيه كل فتاة أن تستعيد شيئا من براءتها، وأن تؤمن أن المستقبل، رغم كل شيء، لا يزال ممكنا.
ورهف الشيخ علي (26 عاما)، هي خريجة إدارة الأعمال من جامعة الأزهر بغزة، ومنسقة المبادرة، حملت في داخلها يقينا بأن الحرب تطفئ كل شيء إلا الأمل، وبأن الثقافة والفنون يمكن أن تكون وسيلة للشفاء. فاختارت الأقلام والدفاتر والألوان والخزف والصوف للتعبير عن طموحات وأحلام الفتيات التي سرقتها الحرب.
قالت للجزيرة نت “إن لم نستطع إيقاف الألم، فلنحاول على الأقل إحياء الأمل في نفوسنا”. ومن هنا كانت الفكرة، وبدأت المبادرة بجهد ذاتي، حيث قامت بالإعلان عنها عبر صفحة الإنستغرام على مواقع التواصل الاجتماعي، ووضعت شروطا خاصة يتم بناء عليها اختيار وقبول الطالبات المشاركات.
وأوضحت أنها قامت بإعداد المكان وتجهيزه بجهد شخصي، وأقامت خيمة كبيرة في فناء منزلها ورتبتها، وعملت على توفير الكراسي والطاولات والكراسات والأقلام والألوان والأوراق والحقائب، وكل ما يلزم لانطلاق المبادرة وتحقيق أهدافها، ثم قامت بتسويق المبادرة عبر التواصل مع مؤسسة شبابية اقتنعت بفكرتها وتبنتها.

مهارات وإبداع
تحصل الطالبات من خلال المبادرة أيضا على تدريبات في اللغة الإنجليزية تتضمن مهارات القراءة والكتابة، خاصة في مجال كتابة المقالات والقصص الأدبية والثقافية، إلى جانب تعلم فن التدوين البصري “الجورنال”، وهو طريقة مميزة لتدوين اليوميات والمشاعر والأفكار من خلال اختيار مواضيع خاصة والتعبير عنها باستخدام الملصقات والألوان والكتابات والصور.
كما تمارس الفتيات أنشطة جمالية أخرى مثل فن التطريز والمشغولات اليدوية (بالخرز والصوف) وصناعة الورود والديكورات، وإعادة التدوير، والرسم على الزجاج، والنقش على الخشب، والطباعة على الحقائب.
ويخصَّص لهن أيضا وقت للنقاش عبر جلسات حوارية للتعبير عن آرائهن، واختيار شخصيات مفضلة للحديث عنها، إضافة إلى أوقات للترفيه من خلال اللعب والمسابقات والطهي وصناعة البيتزا والحلويات، وكل ذلك بإشراف مدربات متخصصات وماهرات.

أهداف وغايات
من جهتها، أوضحت خريجة هندسة الديكور والتصميم ومسؤولة الأنشطة في المبادرة مزنة كساب (25 عاما) للجزيرة نت، أن أهداف المبادرة تمثلت في فصل الفتيات عن واقع الحرب والظروف الصعبة التي يعشنها، وتوفير مساحة آمنة لهن بعيدا عن أجواء الدمار، تمكّنهن من الشعور بالراحة والأمان، واكتشاف مواهبهن والتعبير عنها لإعادة الوجه الجميل الذي كانت تمثله غزة قبل الحرب.
وتابعت “نسعى لدعم الصحة النفسية للفتيات من خلال أنشطة فنية وتعليمية تساعدهن في التخفيف من صعوبات الحياة، وتعزيز الأمل والإيجابية في نفوسهن، ومنحهن فرصة لاختبار لحظات سعادة طبيعية وسط الظروف القاسية، والحفاظ على استمرارية التعليم غير الرسمي عبر جلسات مبسطة تبقيهن على صلة بالمعرفة”.
وتقول مزنة إنهن يعملن أيضا على خلق بيئة مجتمعية داعمة تعزز روح التعاون والصداقة والتكافل بين الفتيات، ويسلطن الضوء على دور الفن والثقافة كوسيلة علاجية للتعامل مع الصدمات النفسية الناتجة عن الحرب، وإيصال رسالة للعالم بأن الإبداع الفلسطيني حاضر في كل زمان ومكان، ولا يمكن أن يندثر حتى في أحلك الظروف.

تحقيق الذات
واعتبرت الطالبة وعد بدوان (16 سنة)، عضو “مجلس أطفال فلسطين”، أن الصعوبات التي تواجهها وقريناتها من الفتيات في ظل الحرب المستمرة في غزة هي التي دفعتها للمشاركة، من أجل تفريغ الطاقة السلبية والابتعاد عن ضغوطات الحياة.
وأكدت في حديثها للجزيرة نت أنها تشارك في مبادرة “أصوات الغد” لتحقيق ذاتها وممارسة هواياتها عبر توثيق قضايا الأطفال في الحرب من خلال الرسم لإبراز معاناتهم.
وقالت “أجتهد في رسم العديد من اللوحات التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال في غزة عبر القصف والقتل والتجويع ومنع الرعاية الصحية والحليب عنهم، وأتواصل مع مؤسسات دولية لعرض هذه اللوحات في معارض عالمية”.
في حين وجدت لميس أبو معيلق (17 سنة) في هذا المكان فرصة لممارسة هواياتها المفضلة، وتطوير مهاراتها في الأشغال اليدوية وصناعة الإكسسوارات والخرز، وخاصة القطع التي تمثل التراث الفلسطيني وترمز للقضية الفلسطينية مثل العلم والخارطة وقبة الصخرة المشرفة.

دعم مؤسسي ومجتمعي
وعملت مؤسسة “إنقاذ” الشبابية التي تبنّت المبادرة بالكامل لاحقا، على تطويرها وتوسيعها بتوفير الدعم والأدوات اللازمة. ويرى مدير عملياتها محمد العقاد أن المبادرة متميزة ونوعية، وتحقق أهداف المؤسسة وغاياتها.
وأوضح العقاد للجزيرة نت أن تقييم الفتيات المشاركات ومدى التزامهن بالحضور ومشاركتهن في اللقاءات يؤكد نجاح الفكرة، التي أصبحت مصدر إلهام وتحفيز كبير لمزيد من الدعم، وفتحت آفاقا واسعة لتطوير مشاريع وبرامج داعمة للفتيات والشباب في تمكين قدراتهم وتوفير مساحات آمنة لهم.
وقال إنهم يعملون مع عدد من المنظمات الدولية والأممية لدعم المبادرات المجتمعية والشبابية، والمشاريع التي تختص بمجال التعليم والأنشطة اللامنهجية، والاهتمام بقدرات الشباب والشابات، وتعزيز الدعم النفسي والقيم والتوعية الإيجابية والصحية، وتطوير المهارات النوعية والإبداعية والتحفيزية.

ويرى العقاد أن مبادرة “أصوات الغد” استطاعت استيفاء جميع الشروط التي تتمثل في اختيار الفئة العمرية المناسبة، وتنظيم أنشطة تعليمية لامنهجية وتوعوية، وهو ما يتوافق مع برنامج الشباب في مؤسسته، التي تسعى إلى دمج برامج رفع الوعي بالقضايا المجتمعية والمهارات الحياتية للفتيات، الأمر الذي ساهم في دعمها واستمراريتها.