“أعيدوا النظر في تلك المقبرة”.. رحلة شعرية بين سراديب الموت والحياة

يستكشف الناقد والكاتب السوداني معتصم الشاعر في مقال تحليلي معمق ديوان الشاعر الكويتي دخيل الخليفة “أعيدوا النظر في تلك المقبرة”، مركزًا على البنية الدلالية المعقدة التي يعتمدها الخليفة في نصوصه. يحلل الشاعر كيف يستخدم الخليفة مفهوم الحقل الدلالي لخلق تجربة شعرية غنية بالرموز والتأويلات، وكيف تتشابك هذه الحقول لتشكيل رؤية شعرية متماسكة حول الموت، الذاكرة، والفقد.
يبدأ المقال بتفكيك العنوان الرئيسي للديوان، مشيرًا إلى أنه يتكون من ثلاث طبقات دلالية: الموت (المقبرة)، والدعوة (أعيدوا)، والمسافة (تلك). ويوضح أن هذه الطبقات تولد أربعة نوى دلالية أساسية: الموت، الذاكرة، المراجعة/النظر، والنداء الجماعي، والتي تتفرع بدورها عبر الأقسام المختلفة للديوان.
الحقل الدلالي في “أعيدوا النظر في تلك المقبرة”: استكشاف للرموز والمعاني
يعرّف المقال الحقل الدلالي بأنه مجموعة من الكلمات التي ترتبط بموضوع أو مجال معنوي واحد، وتشترك في جزء من معناها أو تستعمل في سياق دلالي واحد. ويؤكد أن هذا المفهوم اللغوي الأساسي هو مفتاح فهم البنية العميقة لديوان الخليفة. ويشير إلى أن الديوان مقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: “ظلال في مقبرة الذاكرة”، “وعل في دائرة عروضية”، و”أصدقاء”، وكل قسم يمثل تطورًا في هذه الحقول الدلالية.
تحليل قسم “ظلال في مقبرة الذاكرة”
يرى الشاعر أن القسم الأول يمثل مدخلاً وجوديًا ونفسيًا للديوان، وهو الأكثر كثافة من حيث الحقول الدلالية. ويحلل العلاقة بين دلالة الذاكرة (الحياة، البقاء) ودلالة المقبرة (الموت، النهاية)، وكيف تعمل الظلال كعنصر ربط بينهما. ويحدد خمسة حقول دلالية رئيسية في هذا القسم: الموت والفقد، الذاكرة الجريحة، الغربة والانفصال، الحرب والاضطراب، والجسد والضعف الإنساني.
ويوضح أن عناوين القصائد في هذا القسم، مثل “صديق الجنائز” و”دم أزرق”، تشير إلى حضور الموت كرمز للفقد النفسي وتداعي الهوية. كما يلاحظ استخدام الألوان والدلالات الرمزية للتعبير عن التوتر الداخلي للشاعر.
“وعل في دائرة عروضية”: تحول في التركيز الدلالي
ينتقل المقال إلى تحليل القسم الثاني، “وعل في دائرة عروضية”، مشيرًا إلى أنه يمثل تحولًا في التركيز الدلالي من الموت والغربة إلى الانغماس في الشعر واللغة. ويفسر عنوان القسم بأنه يرمز إلى التوتر بين حرية الشاعر وقيود البناء العروضي، وإلى الحركة الدائرية للإيقاع الشعري.
ويحدد ثلاثة حقول دلالية رئيسية في هذا القسم: الاكتئاب والانعزال الشعوري، السر والرمز، والزمان والإيقاع الشعري. ويلاحظ أن هذه الحقول تتميز بالتأمل الداخلي والاشتغال على الإيقاع، مما يعكس اهتمام الشاعر بالعمق النفسي والفني للقصيدة.
“أصدقاء”: انفتاح على الآخر والذاكرة الحية
يختتم المقال بتحليل القسم الثالث، “أصدقاء”، مشيرًا إلى أنه يمثل مرحلة الانفتاح على الآخر وتأكيد العلاقات الإنسانية. ويوضح أن هذا القسم يتميز بعناوين تأخذ بعدًا اجتماعيًا وإنسانيًا واضحًا، مثل أسماء الأصدقاء المذكورة في عناوين القصائد.
ويؤكد أن هذا القسم يمثل نهاية المسار الدلالي للديوان، حيث يتحقق التوازن بين الذات والآخر، وبين الوجود واللغة. ويشير إلى أن ذكر أسماء الأصدقاء يضفي على النص بعدًا واقعيًا وشخصيًا.
يختتم الشاعر تحليله بالإشارة إلى أن الديوان يمثل نموذجًا رفيعًا للشعر الذي يعتمد على بنية دلالية معقدة ورؤية وجودية عميقة. ويؤكد أن الخليفة ينجح في استخدام الحقل الدلالي لخلق عالم شعري فريد يتأرجح بين الموت والحياة، وبين العزلة والانفتاح. ومن المتوقع أن يثير هذا الديوان المزيد من النقاش والتحليل في الأوساط الأدبية والثقافية، وأن يساهم في إثراء المشهد الشعري العربي المعاصر. وستظهر المزيد من الدراسات النقدية التي تتناول أبعاد هذا العمل الشعري الفريد في الأشهر القادمة.





