أوريان 21: التلاعب بالأقليات رهان إسرائيلي قديم لإضعاف العرب

كشف تقرير حديث عن مسار طويل الأمد في السياسة الإسرائيلية يركز على استغلال الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، واستثمارها كأدوات ضغط جيوسياسي بهدف إضعاف الدول العربية المحيطة. يرى محللون أن هذه الاستراتيجية، التي تستهدف تحقيق تفوق إسرائيلي دائم، تعود جذورها إلى بدايات الحركة الصهيونية وتستمر حتى اليوم بوتيرة متزايدة.
التقرير، الذي استند إلى دراسة معمقة لتاريخ العلاقات الإسرائيلية مع الأقليات في المنطقة، يوضح كيف سعت إسرائيل باستمرار إلى بناء تحالفات مع مجموعات غير عربية، مثل الأكراد والدروز والموارنة، بهدف تحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتشير التحليلات إلى أن هذه السياسة ليست مجرد رد فعل على التحديات الإقليمية، بل هي جزء أساسي من عقيدة إسرائيلية تهدف إلى منع أي دولة عربية من تحقيق الاستقرار والقوة.
السياسة الإسرائيلية واستغلال الأقليات
منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل، انصب تركيز قادة الحركة الصهيونية على إيجاد حلفاء محتملين بين الأقليات غير العربية في المنطقة. لم يكن الهدف الأساسي بناء علاقات مستقبلية مع الدول العربية، بل استخدام هذه الأقليات كقوة مساندة للمشروع الصهيوني. وبحسب خبراء، فإن هذه النظرة الاستراتيجية شكلت الأساس للعديد من التدخلات الإسرائيلية اللاحقة في المنطقة.
التدخل في لبنان
لطالما احتلت لبنان مكانة خاصة في التفكير الإسرائيلي. ففي عام 1919، قدم حاييم وايزمان، أحد أبرز مؤسسي الحركة الصهيونية، خريطة توسعية للكيان المنشود شملت أجزاء كبيرة من لبنان. وقد تجلى هذا التوجه في عدة حروب واجتياحات إسرائيلية للبنان، بدءًا من حرب 1978 وصولًا إلى حرب 2006، مرورًا بدعم فصائل محلية وإذكاء الانقسامات الداخلية.
وشهد لبنان تدخلات إسرائيلية واسعة النطاق، بما في ذلك دعم إنشاء جيش لبنان الجنوبي كقوة تابعة لإسرائيل. وبحسب مصادر إعلامية، استمرت هذه التدخلات حتى انهيار هذا الجيش في عام 2000.
التأثير في سوريا
في سوريا، اتبعت إسرائيل سياسة مماثلة، حيث سعت إلى استغلال التوترات الداخلية والضعف السياسي لفرض نفوذها. ففي ديسمبر 2024، شنت إسرائيل غارات جوية مكثفة على مواقع عسكرية سورية، مستغلة حالة عدم الاستقرار التي أعقبت انهيار نظام بشار الأسد.
كما وسعت إسرائيل سيطرتها في منطقة الجولان، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل المنطقة. وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تسعى إلى منع الجيش السوري من الاقتراب من الحدود، وفرض واقع إقليمي جديد يخدم مصالحها.
العلاقة مع الدروز والأكراد
تاريخيًا، أقامت إسرائيل علاقات مع الدروز والأكراد، وقدمت لهم الدعم في بعض الأحيان مقابل الحصول على دعمهم أو استغلال قضاياهم. ومع ذلك، شهدت هذه العلاقات تقلبات وتوترات، خاصة مع تصاعد المطالب بحقوق الأقليات وتغير التحالفات الإقليمية.
فقد اشتكى الدروز من التمييز ضدهم داخل إسرائيل، ومصادرة أراضيهم، وقانون “الدولة القومية” الذي يضعهم في مرتبة أدنى من المواطنين اليهود. وفي المقابل، استخدمت إسرائيل ذريعة حماية الدروز في سوريا للتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد.
أما بالنسبة للأكراد، فقد دعمت إسرائيل تمردهم في العراق بهدف إضعاف بغداد ومنعها من الانخراط في صراعات مع إسرائيل. ومع ذلك، تراجعت الثقة الكردية بإسرائيل بعد التطبيع مع بعض الدول العربية.
مستقبل السياسة الإسرائيلية تجاه الأقليات
يبدو أن السياسة الإسرائيلية تجاه الأقليات في الشرق الأوسط ستستمر في المستقبل المنظور. فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بأن إسرائيل “ستظل دائمًا أقلية في الشرق الأوسط”، مما يجعل التحالف مع الأقليات خيارًا استراتيجيًا مستمرًا.
ومع ذلك، من المتوقع أن تشهد هذه السياسة المزيد من التعقيد والتحديات، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية وتغير التحالفات السياسية.
ما يجب مراقبته في الفترة القادمة هو رد فعل الدول العربية على هذه السياسة، وكيف ستتعامل مع الأقليات في بلدانها. كما يجب متابعة تطورات الوضع في سوريا ولبنان، وكيف ستؤثر على العلاقات الإسرائيلية مع الأقليات في هذه البلدان.
من المرجح أن تستمر إسرائيل في استغلال الانقسامات الداخلية في الدول العربية، ودعم الأقليات التي تخدم مصالحها، في إطار سعيها الدائم لتحقيق تفوق إقليمي.





