أيام.. وأيام 3.. بقلم: د. يعقوب يوسف الغنيم

يشهد مجال تدوين تاريخ الكويت اهتماماً متزايداً، خاصةً فيما يتعلق بالفترة التي تلت عام 1946. هذه الفترة، التي لم تحظ بتوثيق شامل رغم أهميتها، شهدت تحولات كبيرة في مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. وتسلط مقالة حديثة للباحث د. يعقوب يوسف الغنيم الضوء على ضرورة إكمال هذا التوثيق التاريخي، مستعرضاً جهوداً سابقة ومؤشرات على التقدم الذي شهدته الكويت في تلك الحقبة.
أهمية توثيق تاريخ الكويت بعد عام 1946
أشار د. الغنيم إلى أن كتاب “صفحات من تاريخ الكويت” للشيخ يوسف بن عيسى القناعي، الصادر عام 1946، يمثل نقطة انطلاق مهمة، إلا أن العديد من الأحداث اللاحقة لم تُوثق بشكل كافٍ. وتناثرت هذه الأحداث بين روايات الناس، وصفحات الصحف القليلة آنذاك، وتقارير الزائرين. ويؤكد الباحث على الحاجة الماسة لجمع هذه المعلومات، ومقارنة المصادر، وعرضها بشكل منظم زمنيًا لإكمال الصورة التاريخية للكويت.
جهود رائدة في التوثيق
لم يغفل د. الغنيم الإشارة إلى الجهود المبذولة في هذا المجال، وعلى رأسها يوميات أحمد البشر الرومي التي وثقت الحياة اليومية في الكويت بين عامي 1939 و 1979. وتعتبر هذه اليوميات مرجعاً قيماً لفهم التطورات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد خلال تلك الفترة. كما أشاد بجهود اللجنة التي شكلتها دائرة المطبوعات والنشر الكويتية عام 1959 للإشراف على تدوين التاريخ، والتي ضمت نخبة من الباحثين والمؤرخين الكويتيين.
ومع ذلك، يأسف د. الغنيم لضياع المجموعة القيّمة من المراجع والوثائق التي جمعتها اللجنة بسبب السرقة. كما ينتقد الكتاب الذي تم تكليف شخص غير كويتي بإعداده، والذي شابته العديد من المآخذ، وتم طبعه رغم الانتقادات الواسعة. ويشدد على أهمية أن يتولى الكويتيون مهمة تدوين تاريخهم، مع الالتزام بالصدق والأمانة والتحقق من الحقائق.
تطورات الكويت في الفترة 1946-1947
تستعرض المقالة سلسلة من الأحداث والتطورات التي شهدتها الكويت في الفترة بين عامي 1946 و 1947. ففي شهر فبراير عام 1947، احتفلت الكويت بعيد جلوس الشيخ أحمد الجابر الصباح، والذي تميز بمشاركة واسعة من الطلاب والكشافة. كما شهدت هذه الفترة تطوراً ملحوظاً في قطاع التعليم، حيث ارتفع عدد المدارس والطلاب بشكل كبير.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الكويت في تنفيذ مشاريع عمرانية مهمة، مثل إنشاء شارع جديد (شارع عبدالله السالم لاحقاً) الذي أصبح مركزاً تجارياً حيوياً. وشهد قطاع النفط تطورات واعدة، حيث أعلنت شركة نفط الكويت عن حاجتها إلى المزيد من العمال الكويتيين، وبدأت في التفكير في إنشاء مصفاة للزيت.
وفي مجال الصحة، استقبلت الكويت بارجة حربية بريطانية في زيارة ودية، ودعت ربانها الطلاب لزيارتها. كما بدأت جهود لإنشاء فرقة إطفاء دائمة، وتطوير قطاع الاتصالات من خلال إنشاء خط جوي مباشر مع لبنان.
الاستجابة للقضية الفلسطينية
تُبرز المقالة أيضاً موقف الكويت الداعم للقضية الفلسطينية في عام 1947، حيث أهاب المسؤولون بجميع القادرين على التبرع لمساعدة الشعب الفلسطيني في مواجهة قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين. وقد استجاب الكويتيون لهذا النداء، وجمعوا تبرعات كبيرة، مما يعكس تضامنهم مع الأشقاء الفلسطينيين.
نظرة مستقبلية لتوثيق تاريخ الكويت
يختتم د. الغنيم مقالته بالتأكيد على أن تدوين تاريخ الكويت هو مهمة وطنية ملحة، تتطلب جهوداً متضافرة من الباحثين والمؤرخين الكويتيين. ويشدد على أهمية الاعتماد على المصادر الموثوقة، والتحقق من الحقائق، وتقديم الصورة التاريخية بأمانة وموضوعية. ويؤكد على أن الكويت لا تفتقر إلى الكفاءات الوطنية القادرة على إنجاز هذا العمل الهام، وأن الأمل معقود على هؤلاء الشباب لإكمال هذا التراث التاريخي. ومن المتوقع أن تشهد الجهود المبذولة في هذا المجال المزيد من التنظيم والتعاون في الفترة القادمة، بهدف إخراج كتاب شامل يوثق تاريخ الكويت بكل جوانبه.




