أين وصل الجدار الخرساني على الحدود العراقية السورية؟

بغداد – شهد الشريط الحدودي العراقي السوري، الذي يمتد لمسافة 618 كيلومترًا، تطورات ملحوظة مع استمرار قيادة قوات الحدود العراقية في مشروع تعزيز السيطرة عبر بناء جدار حدودي خرساني في منطقة طريفاوي شمال القائم. يأتي هذا الإجراء في إطار جهود مكثفة لتأمين الحدود ومنع التسلل والتهريب، وتأكيدًا على أن الإجراءات الأمنية الحالية هي الأفضل على الإطلاق، وفقًا لتصريحات رسمية.
أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، العقيد عباس البهادلي، أن الحدود المشتركة مع سوريا مؤمنة بالكامل من خلال منظومة متكاملة من التحصينات والإجراءات الاحترازية. وأضاف أن هذه الإجراءات تمثل تطورًا كبيرًا مقارنة بالوضع الأمني في عام 2003، نتيجة للجهود المستمرة خلال السنوات الثلاث الماضية. وتشمل هذه الجهود بناء الجدار الخرساني، وتركيب كاميرات مراقبة، ونشر قوات إضافية على طول الحدود.
منظومة متكاملة لتأمين الحدود
وكشف العقيد البهادلي عن إنجاز ما يقارب 400 كيلومتر من الجدار الحدودي الخرساني، مشيرًا إلى أن العمل جار بوتيرة متسارعة لإكمال المشروع الحيوي. يهدف هذا المشروع إلى ضمان السيطرة الكاملة على الشريط الحدودي، ومنع أي محاولات لتسلل العناصر الإرهابية أو تهريب المواد غير المشروعة.
وتشمل منظومة التحصينات الحدودية، بالإضافة إلى الجدار الخرساني، عدة عناصر أخرى، بما في ذلك شق خندق بعمق وعرض 3 أمتار على طول الحدود، وإنشاء ساتر ترابي بارتفاع 3 أمتار. كما تم تركيب مانع منفاخي وسياج معدني على امتداد الحدود بالكامل لزيادة صعوبة الاختراق.
عناصر إضافية في التحصينات
بالإضافة إلى ذلك، نصبت قيادة قوات الحدود 618 برج مراقبة، بواقع برج لكل كيلومتر، وثبتت 975 كاميرا حرارية حديثة لمراقبة الحدود على مدار الساعة. كما تم تعزيز التحصينات بعشر طائرات مسيرة ثابتة الجناح، خصص منها 5 طائرات للحدود السورية، لتعزيز عمليات الرصد والمتابعة.
وتتضمن خطة الدفاع الحدودية متعددة الطبقات ثلاثة خطوط صد رئيسية: قيادة قوات الحدود، والجيش العراقي، وقوات الحشد الشعبي. كما توجد ثلاثة أفواج من ناقلات الآليات وثلاثة أفواج من المغاوير كقوات احتياط جاهزة للتدخل السريع عند الحاجة.
وأشار البهادلي إلى أن هذه الإجراءات هي احترازية ومن حق أي دولة معنية بضبط حدودها اتخاذها. وتأتي هذه الخطوات في سياق التحديات الأمنية الإقليمية والجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
مشروع استراتيجي طويل الأمد
تعتبر قيادة قوات الحدود العراقية مشروع الجدار الحدودي مشروعًا استراتيجيًا وضرورة أمنية طويلة الأمد. ويهدف المشروع إلى ضبط أمن الحدود وإنهاء التسلل والتهريب بشكل جذري. بدأ العمل في المشروع عام 2022، ويشمل قواطع عدة على طول الشريط الحدودي، بدءًا من القائم والباغوز وصولًا إلى فيشخابور.
وأكد منير عباس، من إعلام قيادة قوات الحدود، أن الجدار يمثل حلاً دوليًا معمولًا به، وهو جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة من التحصينات الأمنية. وأضاف أن المشروع لم يكن رد فعل ظرفيًا، بل رؤية أمنية استباقية تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويساهم معمل قيادة قوات الحدود في إنتاج ونصب أكثر من 120 كيلومترًا من الجدار الخرساني. وتعمل المنظومة المتكاملة من التحصينات والمراقبة الذكية على مدار الساعة، وتنقل صورتها عبر كيبل ضوئي إلى مراكز السيطرة، مع الاستفادة من الطائرات المسيّرة لتعزيز الرصد.
وأشار عباس إلى أن المرحلة الأولى من الجدار بدأت غربي سنجار، ثم توسع العمل ليشمل مقاطع أخرى. وأكد أن المشروع قد أدى إلى استقرار ملحوظ في الحدود العراقية السورية.
ويرى الخبير في الشأن الأمني، فاضل أبو رغيف، أن بناء الجدار الحدودي هو نتاج تراكمات وجهود بذلت لسنوات طويلة. وأكد أن طول الجدار يناهز أكثر من 615 كيلومترًا، ويمتد إلى ما بعد مناطق غرب نينوى بـ125 كيلومترًا، نظرًا لكون تلك المنطقة “ساخنة وشهدت أعمالًا إرهابية وقيام تنظيم الدولة”.
وأضاف أبو رغيف أن الجدار يوفر “منعًا ماديًا” بالإضافة إلى المنع الاستخباري، ويتكون من سياج خرساني بارتفاع يتجاوز 3.6 أمتار تعلوه أسلاك شائكة، يليه خندق وسد ترابي بعمق 3 أمتار، فضلاً عن كاميرات حرارية ليزرية ونقاط مرابطة لقوات الحدود.
وأكد الباحث في الشأن السياسي، أحمد المياحي، أن الحكومة العراقية تمارس “نوعًا من التحوط الإستراتيجي”، حيث تعمل على تحصين جبهتها الغربية عسكريًا لمواجهة أي تهديد محتمل أو تسلل، في حين تسعى للحفاظ على خطاب دبلوماسي متزن تجاه دمشق. وأشار إلى أن هذا التوازن يعكس إدراك بغداد لحساسية الوضع الإقليمي.
من المتوقع أن تستمر الحكومة العراقية في جهودها لإكمال بناء الجدار الحدودي وتعزيز الإجراءات الأمنية على طول الحدود مع سوريا. وستراقب بغداد عن كثب التطورات الإقليمية وتقيّم التهديدات المحتملة لتحديد الخطوات التالية. يبقى الوضع الأمني في المنطقة متقلبًا، ويتطلب يقظة مستمرة وتعاونًا إقليميًا لمواجهة التحديات.





