إبادة بلا ضجيج.. اغتيال الأدباء والمفكرين في غزة

في خضم العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فقدت فلسطين نخبة من مثقفيها وأدبائها، في استهدافات مباشرة طالت منازلهم ومراكزهم الثقافية. يشكل استهداف الأدباء والشعراء والكتاب الفلسطينيين جريمة إبادة ثقافية ممنهجة، تهدف إلى تدمير الهوية الفلسطينية وتاريخها، وفقًا لتقارير وزارة الثقافة الفلسطينية ومنظمات حقوقية دولية. وتشير التقديرات إلى استشهاد وإصابة العشرات من المثقفين، وتدمير العديد من المؤسسات الثقافية والأثرية.
بدأت هذه الموجة من الاستهدافات في بداية ديسمبر 2023، حيث استشهد الشاعر والروائي سليم النفار في قصف منزله في حي النصر بمدينة غزة. ووفقًا لمصادر إعلامية، قضى النفار وعائلته بأكملهم في القصف، ولم ينجُ أحد منهم. كما استشهد في نفس الفترة الأديب رفعت العرعير، إثر قصف منزل شقيقته، بالإضافة إلى الشاعر نور الدين حجاج، الذي قضى في قصف على منزله في حي الشجاعية. وتوالت أسماء الشهداء من المثقفين والأدباء، لتشكل خسارة فادحة للحركة الثقافية الفلسطينية.
الإبادة الثقافية وسياسة الاستهداف الممنهج
تعتبر هذه الاستهدافات جزءًا من سياسة إسرائيلية أوسع نطاقًا تهدف إلى تدمير البنية الثقافية الفلسطينية، وفقًا لبيان صادر عن اتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين. وتشمل هذه السياسة تدمير المكتبات والمتاحف والمراكز الثقافية، بالإضافة إلى استهداف المثقفين والأدباء والكتاب. وتأتي هذه الاستهدافات في سياق محاولات مستمرة لطمس الهوية الفلسطينية وتاريخها، ومنعها من التعبير عن نفسها.
أكدت وزارة الثقافة الفلسطينية أن عدد المواقع الثقافية والأثرية التي دمرها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ بداية العدوان تجاوز 25 مركزًا وجمعية ثقافية، و30 مؤسسة ثقافية، و87 مكتبة، و8 دور نشر ومطابع، و200 موقع أثري وتراثي. كما وثقت المنظمة الأممية لليونسكو أضرارًا لحقت بـ 110 مواقع ثقافية في القطاع، بما في ذلك مواقع دينية وتاريخية وأثرية.
ضحايا من رموز الأدب والثقافة الفلسطينية
لم يقتصر الاستهداف على المراكز الثقافية، بل طال رموزًا بارزة في الأدب والثقافة الفلسطينية. فقد استشهدت الكاتبة والأديبة هبة أبو ندى في قصف على منزلها في خان يونس، بعد أن نزحت إليه من مدينة غزة. كما استشهد الشاعر عمر أبو شاويش في الساعات الأولى من العدوان، إثر استهداف مباشر لمنزله. وتشكل هذه الخسائر ضربة قوية للحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية، التي فقدت قامات أدبية بارزة.
النفار، الذي درس الأدب العربي في جامعة تشرين بسوريا، أسس ملتقى “أبو سلمى” للمبدعين الشباب، وساهم في تأسيس جمعية الإبداع الثقافي في غزة. أما العرعير، فكان مدرسًا للأدب الإنجليزي في الجامعة الإسلامية، ومحررًا أدبيًا في عدة مجلات. وحجاج، كان من أبرز روائيي قطاع غزة، وله روايتان وديوان شعر. أبو ندى، فازت بجائزة الشارقة الثقافية عن روايتها “الأكسجين ليس للموتى”، ولها ثلاثة دواوين شعرية.
تداعيات الاستهداف على المشهد الثقافي الفلسطيني
تتجاوز تداعيات هذه الاستهدافات الخسائر المادية والبشرية، لتشمل تدمير الذاكرة الفلسطينية وتاريخها. ويرى خبراء في الشأن الثقافي أن استهداف المراكز الثقافية والمثقفين يهدف إلى منع الفلسطينيين من التعبير عن هويتهم وثقافتهم، وتشويه صورتهم أمام العالم. ويؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والثقافية في قطاع غزة، وتقويض جهود التنمية والازدهار.
أعربت العديد من المنظمات الدولية عن قلقها العميق إزاء هذه الاستهدافات، ودعت إلى حماية الثقافة الفلسطينية والمثقفين. وطالبت هذه المنظمات بفتح تحقيق مستقل في هذه الجرائم، ومحاسبة المسؤولين عنها. كما دعت إلى توفير الدعم اللازم لإعادة بناء البنية الثقافية في قطاع غزة، وحماية التراث الفلسطيني.
في الوقت الحالي، تتواصل الجهود لتوثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية والمؤسسات الأدبية في غزة، من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية والمنظمات الدولية. ومن المتوقع أن يتم تقديم هذه الوثائق إلى المحكمة الجنائية الدولية، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. يبقى الوضع في غزة متأزمًا، ويستمر التهديد بالاستهدافات الإسرائيلية للمراكز الثقافية والمثقفين، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل الثقافة الفلسطينية.





