Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دولي

إسرائيل مرتبكة والجماعات الدينية تنتهز فرصتها

في السنوات الأخيرة، شهدت السياسة الإسرائيلية تحولات عميقة، أبرزها تعاظم دور الأحزاب الحريدية وتأثيرها المتزايد في معسكر اليمين. لم تعد العلاقة بين هذه الأحزاب واليمين مجرد تحالف تكتيكي، بل أصبحت بنية سياسية راسخة تعيد تشكيل النظام السياسي الإسرائيلي. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل الدولة وعلاقتها بهويتها الدينية والاجتماعية، ويطرح تحديات جديدة أمام القوى السياسية الأخرى.

تتزايد أهمية فهم ديناميكيات العلاقة بين الأحزاب الحريدية واليمين الإسرائيلي، خاصةً في ظل التغيرات الديموغرافية والاجتماعية التي تشهدها إسرائيل. هذه العلاقة لم تعد مجرد تقاطع مصالح، بل أصبحت قوة دافعة لإعادة صياغة الأولويات السياسية والاجتماعية في البلاد. وتشكل هذه التحالفات تحديًا للقوى العلمانية واليسارية التي تسعى للحفاظ على قيم التعددية والمساواة.

الجذور التاريخية للعلاقة بين الأحزاب الحريدية والدولة الإسرائيلية

منذ تأسيس الدولة الإسرائيلية، اتسمت العلاقة بين الأحزاب الحريدية وإسرائيل بالتعقيد والتردد. تأسست هذه الأحزاب، مثل أغودات يسرائيل وديغل هتوراه، على رؤية دينية تعتبر الدولة مشروعًا دنيويًا لا يتماشى مع تصوراتها الروحية. ومع ذلك، أدركت هذه الأحزاب أهمية التعامل مع الدولة لضمان مصالح جماعاتها، خاصةً في مجالات التعليم والميزانيات والحفاظ على نمط الحياة الديني.

في البداية، كانت مشاركة الحريديين في السياسة محدودة، وتركزت على حماية فضائهم الاجتماعي الخاص. ومع مرور الوقت، ومع بروز قادة جدد مثل قادة شاس، بدأت الأحزاب الحريدية في تطوير استراتيجية أكثر فعالية للتفاوض مع الحكومات المتعاقبة. وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى حصولهم على مكاسب ملموسة، مما عزز من مكانتهم وتأثيرهم.

ومع صعود حزب الليكود وتراجع اليسار في أواخر السبعينيات، وجدت الأحزاب الحريدية شريكًا أكثر توافقًا مع رؤيتها الاجتماعية المحافظة. أصبح اليمين أكثر استعدادًا لمنح الحريديين ما يحتاجونه للحفاظ على استقلاليتهم، مما أدى إلى تعزيز التحالف بين الطرفين.

تطور العلاقة من الشراكة المصلحية إلى التحالف الاستراتيجي

شهدت العلاقة بين الأحزاب الحريدية واليمين تحولًا تدريجيًا من شراكة مصلحية إلى تحالف استراتيجي. لم يعد الأمر يتعلق فقط بتبادل الدعم السياسي، بل أصبح يتعلق ببناء رؤية مشتركة للمستقبل. وقد ساهمت عوامل مثل تصاعد المخاوف الأمنية وتراجع النخب العلمانية في تعزيز هذا التحول.

أصبح الحريديم جزءًا لا يتجزأ من قاعدة دعم اليمين، وقدموا له غطاءً أيديولوجيًا واجتماعيًا. في المقابل، حصل الحريديم على قدرة أكبر على التأثير في السياسات العامة، وحماية مصالحهم الخاصة. وقد أدى هذا التبادل إلى ترسيخ مكانة الحريديم كقوة رئيسية في السياسة الإسرائيلية.

تحولات البنية السياسية الإسرائيلية وصعود اليمين

لم يكن صعود اليمين في إسرائيل مجرد نتيجة لتبدل المزاج العام، بل كان نتاجًا لتغيرات بنيوية عميقة في المجتمع الإسرائيلي. فقد أدت عوامل مثل الهجرة من دول الاتحاد السوفيتي السابق، وتزايد الشعور بالتهديد الأمني، وتآكل الثقة في المؤسسات العلمانية إلى تحول في الأولويات السياسية والاجتماعية.

أصبح الخطاب القومي والديني أكثر جاذبية للناخبين الإسرائيليين، مما أدى إلى صعود أحزاب اليمين المتطرف. وقد استغل هذه الأحزاب المخاوف الأمنية والاجتماعية لتعزيز نفوذها، وتقديم نفسها كبديل للقوى العلمانية واليسارية.

في هذا السياق، وجدت الأحزاب الحريدية نفسها في موقع قوة، حيث أصبحت قادرة على المساومة مع اليمين للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية. وقد أدى هذا إلى تعزيز مكانتها وتأثيرها في المجتمع الإسرائيلي.

من الشراكة المصلحية إلى الاستقرار البنيوي في التحالف

لقد تحولت العلاقة بين الأحزاب الحريدية واليمين من مجرد تحالف تكتيكي إلى بنية سياسية مستقرة. لم تعد الحريديم بحاجة إلى إثبات ولائها لليمين، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تحالفاته الحكومية. وقد أدى هذا إلى ترسيخ نفوذهم في مؤسسات الدولة، وزيادة قدرتهم على التأثير في السياسات العامة.

أصبح اليمين يعتمد على دعم الحريديم لتمرير قوانينه ومشاريعة، مما أدى إلى زيادة نفوذهم في البرلمان والحكومة. وقد أدى هذا إلى إضعاف القوى العلمانية واليسارية، التي وجدت صعوبة في مواجهة هذا التحالف القوي.

ومع ذلك، فإن هذا التحالف ليس خاليًا من التحديات. فقد تظهر خلافات بين الطرفين حول قضايا مثل الخدمة العسكرية، والتعليم، والزواج المدني. ولكن حتى هذه الخلافات لا تهدد الاستقرار البنيوي للتحالف، حيث يدرك الطرفان أهمية الحفاظ على وحدتهما في مواجهة التحديات المشتركة.

في أعقاب عملية طوفان الأقصى، بدا هذا التحالف أكثر رسوخًا من أي وقت مضى. على الرغم من الصدمة العميقة التي خلفتها العملية، حافظت الأحزاب الحريدية على موقعها داخل الائتلاف، وواصلت دعم سياسات الحكومة. وقد أظهر هذا قدرة التحالف على الصمود في وجه الأزمات، والتكيف مع الظروف المتغيرة.

المشهد السياسي الإسرائيلي يشهد إعادة تشكل مستمرة، مع تزايد نفوذ الأحزاب الحريدية وتأثيرها في معسكر اليمين. من المتوقع أن يستمر هذا التحول في المستقبل، مما سيؤدي إلى تغييرات عميقة في المجتمع الإسرائيلي. ما يجب مراقبته هو قدرة هذا التحالف على الاستمرار في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وكيف سيؤثر ذلك على مستقبل الدولة الإسرائيلية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى