Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياسة

إعادة احتلال غزة.. رؤية انتقامية

القدس المحتلة – قبل نحو عقدين، وتحديداً في صيف عام 2005 اتخذت إسرائيل قرارا، وُصف بالتاريخي، بفك الارتباط عن قطاع غزة، إذ انسحب الجيش الإسرائيلي من داخله، وأُخليت المستوطنات الإسرائيلية المحيط به.

وقاد هذه الخطوة آنذاك رئيس الوزراء أرئيل شارون، لأسباب قيل إنها أمنية بالدرجة الأولى، ومرتبطة باستحالة السيطرة على القطاع عسكريا، فضلا عن أبعاد ديموغرافية ودينية.

كان الهدف المعلن -بحسب تصريحات شارون في حينه- هو تقليص الاحتكاك بالسكان الفلسطينيين، وتقليل تكلفة الاحتلال، في محاولة للهروب من “العبء الغزي” الذي لم تتوقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن التحذير منه منذ الانتفاضة الثانية.

لكن ما بدا، ذات يوم، وكأنه انسحاب نهائي، يتلاشى في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، ويضع الجميع أمام مشهد عسكري وسياسي جديد، تعود فيه إسرائيل تدريجيا إلى خيار السيطرة الكاملة على القطاع، تحت مبررات “استئصال حماس” و”تأمين الحدود”.

رؤية انتقامية

وفي تطور لافت، صدّق المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، الجمعة، في اجتماع استمر أكثر من عشر ساعات، على خطة احتلال مدينة غزة وتوسيع العمليات العسكرية في القطاع.

ليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها فكرة احتلال غزة بالكامل، لكنها الأولى التي تقر بها الحكومة الإسرائيلية رسميا خطة من هذا النوع.

ويأتي ذلك، وسط تصعيد ميداني مستمر، وتزايد الأصوات في اليمين الإسرائيلي التي تدعو إلى إعادة فرض السيطرة الإسرائيلية المباشرة على القطاع، بل وتهجير سكانه وإقامة مستوطنات جديدة فيه.

كما يروج لذلك وزير المالية ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموتريتش، الذي يكرر بلا مواربة “غزة جزء لا يتجزأ من إسرائيل”.

ويرى محللون أن هذه الرؤية لم تعد حكرًا على أطراف يمينية متشددة، بل تتغلغل تدريجيًا في صلب القرار السياسي، مدفوعة بروح انتقامية بعد معركة “طوفان الأقصى” وبقراءة أمنية تعتبر غزة منطقة يجب “تطهيرها” من التهديدات، حتى لو كان الثمن معاناة ملايين المدنيين.

نتنياهو وسموتريتش في زيارة “للواء الحشمونائيم” الذي وُسع للقتال في غزة (مكتب الصحافة الحكومي)

من فك الارتباط إلى الفوضى

في مقال بصحيفة “هآرتس”، بعنوان “خطط رئيس الوزراء للاحتلال الكامل لقطاع غزة تضع إسرائيل على الطريق الأكيد نحو حرب أبدية”، استعاد المحلل العسكري عاموس هرئيل، تصريحات شارون عام 2005، حين برر فك الارتباط بعدم قدرة الجيش على حماية الجنود والمستوطنين داخل القطاع.

اليوم، بعد مرور نحو عشرين عاما على ذلك القرار، يقول هرئيل “يعود الجدل ذاته إلى الواجهة”، لكن في سياق مقلوب تماما، فالحكومة الحالية، بقيادة نتنياهو، صدّقت على خطة التحضير لاحتلال مدينة غزة، وربما القطاع بأكمله.

ووفق هرئيل، فإن رئيس الأركان، زامير، يرى أن هذه الخطة “كارثية”، ويحذّر من تبعاتها، ما ينذر بتفاقم الأزمة داخل المؤسسة العسكرية، ويثير احتمال استقالته أو حتى إقالته، في خطوة قد تؤدي إلى هزات ارتدادية خطِرة في صفوف الجيش.

ويشير هرئيل إلى أن الخلاف بين نتنياهو وزامير لا يتعلق فقط بالرؤية العسكرية، بل ينطلق من عمق المأزق الذي وصلت إليه الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي أصبحت الأطول في تاريخ إسرائيل.

ويرى هرئيل أن تنفيذ الخطة سيتطلب عملية برية طويلة تمتد أشهرا، وربما عامين، وتعبئة 4–6 فرق قتالية، ومئات آلاف جنود الاحتياط، مع مخطط لدفع السكان جنوبًا أو خارج القطاع، ما يثير انتقادات داخلية ودولية واسعة.

والخلاصة التي يلمح إليها هرئيل، ربما كانت تحذيرات شارون قبل عقدين كرؤية استباقية، أما اليوم، فإسرائيل تعيد السير “نحو الفخ ذاته، هذه المرة، بعيون مفتوحة”.

درس اليمين المؤجل

تحت عنوان “فك الارتباط بعد عشرين عاما، خطأ اليمين الفادح”، كتب عادي أربيل، مدير “منتدى المجتمع المدني”، في صحيفة “يسرائيل هيوم” إن فك الارتباط لم يكن بدافع التهرب من ملفات الفساد التي وجهت ضد شارون كما ظنّ كثيرون في اليمين، بل خيار سياسي اتخذه شارون في ظل غياب بديل يُجمع عليه “المعسكر الوطني”.

رغم التحذيرات التي ثبتت صحتها لاحقا، يقول أربيل “أخطأ اليمين المتطرف في ربط القرار بملفات التحقيق ضد شارون”، فالأخير لم يؤمن بـ”خارطة الطريق”، بل تبنى خطة انفصال أحادي كتبها جلعاد شير وأوري ساغي، في ظل غياب مراكز فكر يمينية تقدم رؤية بديلة.

ويرى أربيل أنه بعد مرور عشرين عاما، بدأت قطاعات واسعة من اليمين الإسرائيلي في استخلاص العبر من تجربة فك الارتباط، فتأسست منظمات ومعاهد بحثية تسعى إلى صياغة بدائل سياسية حقيقية لصانعي القرار.

ورغم أن تأثير هذه الهيئات لا يزال محدودا حتى الآن، فإن دورها يتجلى في قضايا محورية، مثل الدفع نحو تطبيق السيادة في الضفة الغربية أو طرح فكرة “الإخلاء الطوعي” لسكان قطاع غزة، كما يوضح الكاتب.

من شارون إلى سموتريتش

أما المحلل العسكري أمير بوحبوط، فاعتبر أن القطاع خاضع فعليًا لحصار وتوغلات متكررة ودمار واسع، ومع ذلك تبقى الفصائل المسلحة نشطة في حرب استنزاف ضد القوات الإسرائيلية، ما يجعل الاحتلال الكامل “تحصيل حاصل” ميدانيا.

لكنه يمثل سياسيا تحولا نحو فرض سيطرة دائمة، في ظل انقسام إسرائيلي بين من يراه عبئا أمنيا وديموغرافيا، ومن يراه “أرضا توراتية” يجب استعادتها.

ويخلص بوحبوط إلى أن تصريحات شارون عام 2005 –عندما حذّر من استحالة حماية الإسرائيليين أثناء وجودهم في غزة– تعود اليوم لتطرح السؤال ذاته: هل ستعيد إسرائيل احتلال القطاع وتغرق في الفخ الذي خرجت منه، أم تمضي نحو مغامرة مكلفة أمنيا وسياسيا؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى