إغناتيوس: حذارِ فعام 1914 يلوح في الأفق

24/7/2025–|آخر تحديث: 12:35 (توقيت مكة)
لا تندلع الحروب الكارثية فجأة أو من غير إنذار. وغالبا ما نراها تقترب، لكننا نفشل في اتخاذ قرارات سريعة أو حاسمة لتجنبها.
وبهذه المقدمة استهل الكاتب الأميركي ديفيد إغناتيوس مقاله بصحيفة واشنطن بوست، تناول فيه ما دار في الاجتماع السنوي لمجموعة “آسبن” الإستراتيجية (Aspen Strategy Group) التي تجمع عددا متنوعا من الخبراء والمسؤولين الحكوميين لمناقشة التحديات الأمنية العالمية وتقديم توصيات بشأنها.
وحضر الاجتماع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية، من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لمناقشة تفاقم خطر نشوب حرب بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان.
وأعرب كاتب المقال عن أسفه لتغيب كبار المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب عن تلك المداولات، رغم الحاجة الماسة لمشاركتهم فيها. بل لم يتوقف الأمر على ذلك، فقد أصدرت وزارة الدفاع (البنتاغون) بيانا اتهمت فيه الجهة المنظمة -وهي مجموعة آسبن الإستراتيجية- بأنها تروِّج “لشرور العولمة”.
ورغم هذا الهجوم الكاسح، فإن إغناتيوس يعتقد أن الحوارات في المنتدى كانت من بين الأكثر ثراءً وعمقا خلال سنوات انعقاد المؤتمر الــ15 الماضية، وشهدت حضور شخصيات رفيعة من الحزبين، بينهم وزراء خارجية ودفاع سابقون ومستشارون للأمن القومي وخبراء بالشأن الصيني.
ووفق المقال، فقد أجمع المشاركون على ضرورة أن تتبع الولايات المتحدة نهجا يقوم على “الطمأنة والردع”: أي طمأنة الصين بأن واشنطن لا تدعم استقلال تايوان، مع تعزيز القدرات العسكرية والدبلوماسية الأميركية في آسيا لردع أي محاولة صينية للاستيلاء على الجزيرة بالقوة أو عبر وسائل قسرية غير عسكرية.
وقارن آرني ويستاد المؤرخ في جامعة ييل التوترات بين واشنطن وبكين بالتطورات الجيوسياسية التي سبقت الحرب العالمية الأولى، موضحا أوجه الشبه بين تحالف الصين مع روسيا حاليا وتحالف ألمانيا مع النمسا عام 1914، وكذلك بين قلق بريطانيا من صعود ألمانيا وقلق أميركا الحالي من صعود الصين.
وتزايدت المخاوف بعد فوز الرئيس التايواني المؤيد للاستقلال لاي تشينغ-تي، بالانتخابات التي جرت في يناير/كانون الثاني 2024. وإزاء هذا التطور، صعّدت بكين من لهجتها، حيث اعتبر عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي وانغ هونينغ أن إعادة الوحدة مع تايوان “أمر لا مفر منه” وهو تصريح -في نظر إغناتيوس- يتماشى مع توجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ للجيش بالاستعداد للحرب بحلول عام 2027.
تحدي “المنطقة الرمادية”
يتمثل التحدي الأصعب -برأي إغناتيوس- في ردع إستراتيجية “المنطقة الرمادية” التي تنتهجها الصين، وهي خطوات لا تصل إلى حد الحرب، لكنها تضغط على تايوان لإجبارها على الاستسلام. وإستراتيجية “المنطقة الرمادية” نهج في العلاقات الدولية تستخدمه الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية لتحقيق أهدافها السياسية أو العسكرية من خلال أنشطة تقع بين السلم والحرب التقليدية دون دخول صراع عسكري واسع النطاق.
وقال غراهام أليسون الأستاذ في جامعة هارفارد وأحد الأعضاء المؤسسين بالمجموعة إن “الخطر الحقيقي لا يكمن في الغزو، بل في الحصار وخنق جزيرة تايوان بحرمانها من استيراد الغذاء والطاقة ومنع تصدير الرقائق الإلكترونية وغيرها”.
ما يجعل تايوان مهمة جدا وخطيرة في آن معا كونها مركزا لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة في العالم عبر شركة “تي إس إم سي” التي تعد ضرورية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
وقد رأى بعض المشاركين أن مجرد تحذير بكين من هذه الخطوات لا يكفي، داعين إلى استخدام وسائل هجومية مضادة في مجال المعلومات والقرصنة السيبرانية.
وقد فسّر إغناتيوس ذلك بأنه يعني أن على الولايات المتحدة أن تتقن أيضا اللعب في “المنطقة الرمادية”.
ومن جانبه، حذر نيكولاس بيرنز مبعوث الرئيس السابق جو بايدن إلى الصين من أن التهديد الأكبر قد لا يكون هجوما عسكريا مفاجئا من قبل بكين، بل قد يكون خنقاً تدريجياً عبر الحصار أو القيود الجمركية أو وسائل غير عسكرية، مما قد يدفع الولايات المتحدة للرد ويدخل الطرفين في دوامة تصعيد.
واقترح عدد من المشاركين أن تعديلا بسيطا في خطاب واشنطن يؤكد أنها “تعارض” استقلال تايوان، بدلا من القول إنها “لا تدعم استقلال تايوان” قد يبعث برسالة حاسمة إلى بكين دون تغيير السياسة الأساسية.
حروب المستقبل لا يمكن تفاديها عبر تجاهلها إنما ينبغي مواجهتها بالتخطيط، وأنصح إدارة ترامب بأن تبتدر نقاشا جادا بشأنه إستراتيجيتها تجاه تايوان، تماما مثلما فعلت مجموعة آسبن
وأشار إغناتيوس إلى أن آراء ترامب غير الواضحة بشأن تايوان كانت مصدر قلق للحاضرين. فقد عبّر بعضهم عن مخاوف من أن الرئيس الأميركي قد يُقايض بتايوان ضمن صفقة تجارية واسعة مع نظيره الصيني.
وحذر بيرنز بلهجة -تعبِّر عن رأي معظم الحاضرين- من أن “قضية تايوان لا تحتمل صفقة كبرى، بل تتطلب قيادة صبورة وصارمة تعمل مع الحلفاء لردع الصين ومنع اندلاع حرب”.
لماذا تايوان بهذه الأهمية؟
يعتقد كاتب المقال أن ما يجعل تايوان بتلك الأهمية والخطورة في آن معا كونها مركزا لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة في العالم عبر شركة “تي إس إم سي” التي تعد ضرورية للذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
ويرى البعض أن صراعا قد ينشب إذا شعرت إحدى الدولتين (الولايات المتحدة أو الصين) بأن وصولها إلى هذه المواد الحيوية مهدد.
وخلص إغناتيوس إلى أن حروب المستقبل لا يمكن تفاديها عبر تجاهلها، إنما ينبغي مواجهتها بالتخطيط، ناصحا إدارة ترامب بأن تبتدر نقاشا جادا بشأن إستراتيجيتها تجاه تايوان، تماما مثلما فعلت مجموعة آسبن.