إفطار على الحواجز الإسرائيلية.. هكذا يتكبد الفلسطينيون الوقت والمال

يسكن الشاب الفلسطيني محمد ثابت في بلدة بيت دجن شرق مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، ويعمل موظفا في بلدية قُصرة على مسافر قرابة 25 كيلومترا من بلدته جنوب شرق المدينة، ويتطلب عمله الحضور عند الساعة الثامنة صباحا، إلا أنه يضطر إلى المرور عبر حاجزين عسكريين إسرائيليين في طريق الذهاب والإياب.
في الصباح يصل ثابت إلى عمله متأخرا بأكثر من ساعتين ونصف بعد انتظار طويل على الحاجزين إن تمكن من اجتيازهما، وكذلك طريق العودة حيث اضطر إلى تناول إفطاره (نحو الساعة 6 بالتوقيت المحلي) على حاجز يسمى حاجز المربعة غرب مدينة نابلس عدة مرات.
في حادثة أخرى احتجز ثابت 5 ساعات منها وقت الإفطار، وفي مرات أخرى لم يتمكن من العودة إلى بلدته وبات ليلته في مدينة نابلس بسبب طابور السيارات الطويل على الحاجز، مشيرا إلى تغيبه عن الدوام 10 أيام بسبب التأخير على الحواجز.
مئات العالقين
وكمثال، قال إن مئات المواطنين يفطرون يوميا على حاجز بيت فوريك شرق نابلس وحده، وهو حاجز يفصل بلدتي بيت دجن وبيت فوريك عن مدينة نابلس ويعد المدخل الوحيد لنحو 25 ألف نسمة.
وتابع أن الأهالي يعانون يوميا من ساعات التأخير الطويلة التي قد تصل إلى وقت السحور ومنهم من يحتاط بإحضار وجبتي السحور والإفطار معه.
ولفت إلى أن أكثر من 10 حواجز عسكرية مأهولة تحيط بمدينة نابلس وتعزلها عن قراها، معتبرا أن “الهدف هو الضغط على الحاضنة الشعبية والتنكيل بالمواطنين لإجبارهم على هجرة قراهم إلى المدينة”، نافيا مزاعم الاحتلال بوجود بعد أمني للحواجز.
وتابع أن “إخلاء القرى يسهل على المستوطنين في المستوطنات والبؤر الاستيطانية المحيطة بها السيطرة عليها”، مشيرا إلى حالات اضطر فيها عمال وموظفون إلى استئجار مساكن داخل مدينة نابلس، “في هجرة قسرية داخلية لتجنب التأخير والتنكيل على الحواجز”.
وفضلا عن التأثير المتوقع على قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد وغيرها، لفت إلى تأثيرات اجتماعية بغياب ولائم رمضان التي يدعى إليها الأرحام، هذا العام، تجنبا للمرور بالحواجز.

900 حاجز
ومع حلول شهر رمضان المبارك، برزت بشكل ملحوظ آثار الحواجز الإسرائيلية بالضفة، وتعد مدينة نابلس الأبرز من بين المحافظات من حيث شدة الإجراءات المتبعة فيها ومنها: المربعة وتياسير ودير شرف وبيت فوريك وزعترة وحوارة وعورتا.
وهناك أيضا حاجز واد النار شرق القدس ويفصل جنوب الضفة عن وسطها، وعطارة شمال رام الله، وقلنديا يفصل رام الله عن القدس وجنوب الضفة، والنشاش في بيت لحم، وراس الجورة في الخليل وهو شريان حيوي مغلق أغلب الوقت.
وبالتزامن مع بدء حرب الإبادة على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عزز جيش الاحتلال حواجزه القائمة في الضفة واستحدث حواجز جديدة، ليرتفع العدد إلى نحو 900، منها 18 بوابة حديدية استحدثت منذ بداية العام الجاري 2025، و146 بوابة حديدية نصبها الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية.
ووفق المصدر نفسه، فإن الاحتلال الإسرائيلي يواصل إغلاق نحو 85% من تلك الحواجز وطرق بديلة استحدثها السكان لتجاوز تلك الحواجز.
ووفق الهيئة، تتوزع الحواجز على المحافظات كما يلي: الخليل (229 حاجزًا)، رام الله والبيرة (156 حاجزًا)، نابلس (147 حاجزًا)، القدس (82 حاجزًا)، بيت لحم (65 حاجزًا)، قلقيلية (53 حاجزًا)، سلفيت (50 حاجزًا)، طوباس (33 حاجزًا)، أريحا (32 حاجزًا)، طولكرم (27 حاجزًا)، جنين (24 حاجزًا).
الالاف من المواطنين افطروا على حواجز الاحتلال المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية#رمضان_كريم pic.twitter.com/RQ2TX5LXPj
— وكالة قدس نت للأنباء (@qudsnet) March 1, 2025
خسارة مزدوجة
لا توجد دراسة عملية حديثة تشير إلى التأثيرات الاقتصادية للحواجز العسكرية الإسرائيلية على فلسطينيي الضفة، لكن دراسة أجريت عام 2019، إذ كانت الظروف الأمنية أقل تعقيدا من اليوم، ويمكن الاستئناس بها، تظهر حجم الضرر الذي يلحق بالفلسطينيين بسبب الحواجز.
وتفيد الدراسة التي نشرها معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس بأن الفلسطينيين يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويا بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، مقدرة إجمالي التكاليف السنوية لساعات التأخير بحوالي 274 مليون دولار سنويا.
وبينت الدراسة التي أجريت على مدى 6 أشهر، وشملت 26 حاجزا من بين نحو 700 حاجز آنذاك، أن استهلاك الوقود الإضافي يقدر بحوالي 80 مليون لتر في السنة تقدر تكاليفها بـ135 مليون دولار أميركي، يؤدي استهلاكها إلى زيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 196 ألف طن سنويا.
ووفق منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تواجه سيارات الإسعاف أيضا تحديات يومية بسبب القيود المفروضة على الحواجز.
عشرات المواطنين يفطرون على حواجز العسكرية قي الضفة الفلسطينية ، تزامناً مع موعد الإفطار، جراء استمرار تشديد الخناق . pic.twitter.com/vT7XGKTCpw
— بوابة العمل الخيري الفلسطيني .🇵🇸 (@Palestinekitche) March 9, 2025
تهجير وتفتيت
ترى منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني أن “فرض القيود على حركة وتنقل الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة هو أحد الأدوات المركزية التي تستخدمها إسرائيل لغرض تطبيق نظام الاحتلال والسيطرة على السكان الفلسطينيين”.
وتضيف أنه بينما تقيّد إسرائيل حركة الفلسطينيين فقط، فإن المستوطنين ومواطنين آخرين -إسرائيليين وأجانب- يتنقلون بحرية.
ويرى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، في تقرير نشره أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، أن “الحواجز العسكرية أحد أدوات السيطرة التي تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي في إطار مشروعها الاستيطاني المبني على التفتيت الجغرافي والديمغرافي للأرض الفلسطينية المحتلة”.
وأضاف أنه “وبالتوازي مع عمليات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس، وبناء الطرق الالتفافية وتشييد جدار الضم في عمق الأرض الفلسطينية المحتلة، كثفت قوات الاحتلال على مدى عقود من إقامة حواجز عسكرية حولت المدن والقرى والمخيمات إلى كانتونات منعزلة يصعب التنقل بينها”.
بينما حذرت ورقة بحثية نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام 2023 من أنه إذا استمرت سياسة التقييد والحواجز “فقد نشهد حركة هجرة داخلية من الأرياف ومناطق “ج” وبعض مناطق شمال الضفة وجنوبها إلى مراكز المدن الأساسية، وبالتحديد رام الله، كي يتمكن العاملون من الاستمرار في عملهم”.