إيران.. تصاعد هجرة الرساميل مع إطالة أمد الانكماش الاقتصادي

طهران – تتفاقم التحديات الاقتصادية في إيران، حيث تشير المؤشرات الرسمية إلى نزيف مستمر في رؤوس الأموال، مما يهدد البنية الإنتاجية للبلاد. ويعتبر هجرة رأس المال من إيران أخطر ما يواجه الاقتصاد الوطني حاليًا، إذ يرى خبراء أن بيئة الاستثمار أصبحت غير مواتية، مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة في الخارج أو في قطاعات غير منتجة داخل البلاد.
وتأتي هذه التطورات في ظل حالة عدم يقين تسيطر على المشهد الاقتصادي الإيراني بعد فترة من التوترات الإقليمية وعودة بعض العقوبات الدولية. ويعرب مراقبون عن قلقهم من أن يؤدي هذا الوضع إلى تراجع حاد في النشاط الاقتصادي ما لم يشهد الاقتصاد تحولاً جذرياً يعيد الثقة ويحدد مساراً واضحاً للمستقبل.
تراجع المؤشرات الاقتصادية وهجرة رأس المال
أظهر أحدث تقرير صادر عن مركز أبحاث غرفة إيران للتجارة انخفاض مؤشر مديري المشتريات إلى 46.6 نقطة خلال الشهر الإيراني المنصرم (23 أكتوبر/تشرين الأول حتى 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2025). ويعتبر هذا التراجع، الذي يستمر للشهر العشرين على التوالي، دليلاً قاطعاً على انكماش جميع الأنشطة التجارية.
وأكد التقرير أن جميع المكونات الفرعية الرئيسية للمؤشر قد سجلت اتجاهات سلبية، بما في ذلك حجم الإنتاج، والطلبيات الجديدة، ومبيعات السلع والخدمات، ومخزون المواد الأولية، ومستوى التوظيف. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ضعف الطلب الكلي وتقلبات أسعار الصرف وارتفاع معدلات التضخم.
ويُعد مؤشر مديري المشتريات أداة مهمة لقياس صحة القطاع الصناعي والتجاري، حيث يعكس توقعات الشركات بشأن الأوضاع الاقتصادية المستقبلية. وتؤكد هذه المؤشرات أن حالة عدم اليقين السائدة تؤثر بشكل كبير على قرارات الاستثمار والإنتاج.
أسباب هجرة رؤوس الأموال
هناك عدة عوامل تساهم في تسارع هجرة رأس المال من إيران. وتشمل هذه العوامل العقوبات الاقتصادية الدولية، والضغوط السياسية على النظام المالي، وتدهور قيمة العملة الوطنية (الريال الإيراني)، فضلاً عن المخاطر الأمنية المتزايدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن السياسات الاقتصادية غير المتسقة وعدم الشفافية في القرارات الحكومية تزيد من حالة عدم اليقين وتثبط الاستثمار. ويشير خبراء إلى أن تثبيت سعر الصرف بشكل مصطنع يخلق تشوهات في السوق ويضر بالقطاع الإنتاجي.
ويرى مراقبون أن غياب رؤية واضحة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي يعزز من رغبة المستثمرين في نقل أموالهم إلى الخارج. ويزداد الأمر سوءًا بسبب تآكل الثقة في قدرة الحكومة على معالجة المشاكل الاقتصادية المتراكمة.
طرق تحويل الأموال إلى الخارج
تتنوع الطرق التي يستخدمها الإيرانيون لتحويل أموالهم إلى الخارج. وتشمل شراء العقارات في دول أخرى مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة، وتسجيل شركات وهمية في دول أجنبية، واستخدام العملات المشفرة، والتهريب النقدي عبر الحدود.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الأموال التي غادرت إيران خلال العقدين الماضيين قد يتجاوز 170 مليار دولار. ومع ذلك، لا تتوفر أرقام رسمية دقيقة حول حجم الأموال المهربة، حيث يخشى النظام الإيراني الكشف عن حجم النزيف النقدي.
مستقبل الاستثمار في إيران
يواجه الاقتصاد الإيراني تحديات كبيرة في جذب الاستثمار الأجنبي والمحافظة على رؤوس الأموال المحلية. ويعتبر تحرير سعر الصرف وإزالة القيود على التحويلات المالية من الشروط الأساسية لاستعادة الثقة وتشجيع الاستثمار.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة الإيرانية تحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية وتوفير المزيد من الحوافز للمستثمرين. ويعتبر تحقيق الاستقرار السياسي والتحسين في العلاقات الخارجية من العوامل المهمة لجذب الاستثمار.
وفي الختام، من المتوقع أن يستمر وضع الاقتصاد الإيراني في حالة من التباطؤ ما لم تتخذ الحكومة إجراءات جذرية لمعالجة المشاكل الاقتصادية المتراكمة. ويتوقع المراقبون أن تركز الحكومة على التفاوض مع القوى الدولية لإزالة العقوبات وتحسين العلاقات الخارجية، في حين يتطلب الوضع الداخلي إصلاحات هيكلية وسياسات اقتصادية أكثر واقعية.





