اختيار رئيس الوزراء العراقي الجديد بين المنافسة السياسية والتوقيتات الدستورية

تشهد الساحة السياسية العراقية منافسة محتدمة على تشكيل الحكومة الجديدة، خاصةً بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. وتتركز هذه المنافسة بشكل أساسي على منصب رئيس الوزراء، حيث يتنافس على المنصب شخصيات بارزة من مختلف الكتل السياسية، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار الحكومي في البلاد. هذه التطورات تضع العملية السياسية برمتها في اختبار حقيقي.
من المقرر أن يعقد مجلس النواب العراقي الجديد جلسته الأولى قريبًا لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه، ثم الشروع في انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة الجديد. وتأتي هذه الاستعدادات في ظل حالة من عدم الاتفاق السياسي الواسع النطاق، وتحديات دستورية تتعلق بالتوقيتات المحددة لتشكيل الحكومة، والتي قد تشهد تكرارًا لسيناريوهات التأخير التي شهدها العراق في الماضي.
تحديات تشكيل الحكومة العراقية القادمة
وفقًا لتقارير إعلامية وتحليلات سياسية، فإن الخلافات بين الكتل الشيعية الرئيسية، وعلى وجه الخصوص بين رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني وسلفه نوري المالكي، تشكل العائق الأكبر أمام تشكيل الحكومة. وتتحدث مصادر مطلعة عن وجود خصومة عميقة بين الرجلين، مما يعقد عملية التوافق على مرشح مقبول للجميع.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه تشكيل الحكومة تحديات تتعلق بتوزيع المناصب الوزارية بين مختلف القوى السياسية، مع الأخذ في الاعتبار مبدأ التمثيل العادل لجميع المكونات العرقية والدينية في البلاد. وتشير التوقعات إلى أن المفاوضات ستكون طويلة وشاقة، وقد تتطلب تدخلًا خارجيًا لكسر الجمود.
التوقيتات الدستورية والإمكانية لتجاوزها
ينص الدستور العراقي على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية خلال 30 يومًا من انتخاب رئيس مجلس النواب، ثم تكليف المرشح الذي يحظى بثقة الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة خلال 15 يومًا. ويُمنح السياسي المكلف بتشكيل الحكومة 30 يومًا إضافية لتقديم تشكيلته الوزارية إلى البرلمان لنيل الثقة.
ومع ذلك، فإن التجارب السابقة أظهرت أن هذه التوقيتات غالبًا ما يتم تجاوزها بسبب الخلافات السياسية والمفاوضات الطويلة. وهناك مخاوف من أن يتكرر هذا السيناريو في المرة القادمة، مما قد يؤدي إلى فراغ دستوري وتأخير في تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
تداعيات كسر الأعراف السياسية
يشير الخبراء القانونيون إلى أن الأعراف السياسية في العراق كانت تقوم على توزيع المناصب الرئاسية بين الأحزاب الشيعية والسنية والكردية، بهدف ضمان مشاركة جميع القوى السياسية في الحكم وتجنب نشوب صراعات. ومع ذلك، فإن محاولات كسر هذه الأعراف قد تؤدي إلى تغيير في طبيعة التوافق السياسي في البلاد، وربما إلى تحالفات جديدة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية طارق الزبيدي أن العراقيين يتطلعون إلى حكومة جديدة قادرة على تحقيق الاستقرار والازدهار، وأن الانتخابات الأخيرة جرت بنزاهة وشفافية. ويؤكد على أهمية الحفاظ على وحدة الصف الوطني وتجنب الانزلاق إلى صراعات طائفية أو عرقية.
الانتخابات النيابية كانت حاسمة في تحديد ملامح الحكومة القادمة، ونتائجها ستلعب دورًا كبيرًا في تشكيل التحالفات السياسية. الكتلة الشيعية، باعتبارها الكتلة النيابية الأكبر، ستكون لها الكلمة العليا في اختيار رئيس الحكومة. الاستقرار السياسي هو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه العراقيون، وهو يتطلب تعاونًا وتوافقًا بين جميع القوى السياسية.
الآن، يترقب العراقيون الجلسة البرلمانية الأولى، والتي ستكون بمثابة اختبار حقيقي للقدرة على التوافق السياسي. ويتوقف نجاح هذه الجلسة على حضور ثلثي الأعضاء المنتخبين، وهو ما يعكس مدى التوافق أو الخلاف بين القوى السياسية. وفي حال عدم اكتمال النصاب القانوني، فقد يؤدي ذلك إلى تأجيل الجلسة وتفاقم الأزمة السياسية.





