“ادخار الانتقام”.. ثورة صامتة تعيد تشكيل سلوك الأميركيين المالي

2/7/2025–|آخر تحديث: 11:51 (توقيت مكة)
تشهد الولايات المتحدة ظاهرة جديدة ومثيرة للاهتمام في عالم المال تُعرف باسم “ادخار الانتقام”، وهي حالة من الإقبال العاطفي المكثّف على التوفير بعد فترة من القلق المالي أو فقدان السيطرة، مثل تلك التي سادت خلال جائحة كوفيد-19.
الظاهرة التي ظهرت أول مرة في وسائل الإعلام الصينية، وانتشرت في المنتديات ومنصات التواصل، باتت اليوم جزءًا أساسيا من سلوك المستهلك الأميركي، خاصة بين جيل الألفية (الميلينيالز) والجيل “زد”.
وفي أعقاب الجائحة، ومع انتهاء فترات الإغلاق، انتشرت موجة “الإنفاق الانتقامي” التي شهدت إنفاقًا مفرطًا على السفر والتسوق والترفيه. لكن تلك النزعة الاستهلاكية سرعان ما خفتت، لتحل محلها حاجة أكثر عمقًا وأشد عاطفية؛ هي الرغبة في استعادة السيطرة على المصير المالي عبر الادخار المكثف.
من الإنفاق العاطفي إلى التوفير الواعي
وبحسب مجلة فوربس التي نشرت التقرير، لا ينطلق “ادخار الانتقام” من التخطيط الطويل الأمد أو الطموحات التقاعدية، بل من دافع عاطفي ناتج عن الإحساس بفقدان الأمان المالي.
كثيرون فقدوا وظائفهم فجأة أو رأوا مدخراتهم تتآكل أو شهدوا تقلبات قاسية في السوق. في المقابل، لجأ هؤلاء، وخصوصًا من الأجيال الشابة، إلى تقليص إنفاقهم بشكل كبير، متجهين نحو ما يُعرف بـ”أشهر من دون شراء”، حيث تُلغى الاشتراكات غير الضرورية، وتُعدّ الوجبات في المنزل، وتُؤجَّل كافة المشتريات غير الأساسية.
ويؤكد التقرير أن الشباب الأميركي الذين دخلوا سوق العمل خلال الجائحة أو بعدها صاروا أكثر وعيًا تجاه ضرورة بناء “صندوق طوارئ”، رغم الصورة النمطية التي تصفهم بالاستهلاك المفرط.
في المقابل، فإن من احتفظوا بدخل ثابت خلال الأزمة، كالمديرين والمهنيين من ذوي الدخل المرتفع، وجدوا أنفسهم يدّخرون من دون قصد، نتيجة قلة الفرص الترفيهية، قبل أن يحولوا تلك المدخرات لاحقًا إلى استثمارات أو أقساط عقارية.
كذلك برزت فئة جديدة من المستهلكين يُطلق عليها بيزومرز، أي نصف مستهلكين ونصف رواد أعمال، وهم ممن يعملون في الاقتصاد المؤقت والوظائف المستقلة. هؤلاء يواجهون تحديات مالية مستمرة تتعلّق بتدفق الأموال، والضرائب، والتأمين الصحي، مما يدفعهم إلى الادخار كوسيلة للبقاء في منطقة الأمان.
وفي أوساط ذوي الدخل المنخفض والمجتمعات المتضررة بشدة من الجائحة، رُصد اتجاه مماثل نحو الادخار كلما توفرت الإمكانات، بدافع الحذر والخوف من اضطرابات مستقبلية في الدخل أو الوظائف.
فرصة للمصارف.. وتحذيرات من الإفراط
ويوضح الكاتب رون شفلين في فوربس أن فهم الدوافع النفسية وراء هذا التوجه ضروري للمؤسسات المالية، إذ إن التوفير لدى هؤلاء ليس فقط وسيلة مالية، بل رد فعل عاطفي لتجارب فقدان وثغرات أمن اقتصادي عايشوها عن قرب. هنا يتقاطع الاقتصاد بالسلوكيات الإنسانية: الخوف من الخسارة، والرغبة في السيطرة، والحاجة إلى مرونة مالية مستقبلية.

وتقف البنوك وشركات التكنولوجيا المالية أمام فرصة مهمة؛ فمع وجود شريحة واسعة تبحث عن حلول ذكية للادخار تبرز الحاجة إلى منتجات أكثر مرونة، مثل حسابات التوفير ذات العوائد المرتفعة، أو أدوات ادخار تلقائية تتصل بالتطبيقات البنكية، أو محتوى توعية رقمي يعزز الثقافة المالية للمستخدمين. كما يمكن لمديري الثروات استقطاب الشرائح الأعلى دخلًا التي راكمت مدخرات كبيرة وتحتاج الآن إلى توجيه استثماري.
لكن التقرير يُحذر من مخاطر كامنة، فقد يؤدي “ادخار الانتقام” غير الموجَّه إلى قرارات غير مدروسة، أو تراكم سيولة في حسابات ذات عوائد منخفضة، أو توقف الحافز الادخاري إن لم تُدمج العملية في خطة مالية شاملة.
ورغم أن بعض المحللين يرون في الظاهرة ردة فعل مؤقتة، يشير شفلين إلى احتمال استمرارها بسبب الغموض الاقتصادي المستمر، وتحول القيم لدى الأجيال الجديدة، وارتفاع أهمية الصلابة المالية كقيمة اجتماعية ومهنية.
وفي ختام التقرير، يشدد كاتبه على أن “ادخار الانتقام” ليس مجرد شعار أو ظاهرة عابرة، بل انعكاس لتغير عميق في أولويات الأفراد. إنه توازن بين الجرح النفسي الذي خلّفته الأزمة وبين الرغبة في عدم التكرار. ومن يفهم هذا التوازن جيدًا، سواء كانوا بنوكًا أو شركات مالية أو صناع قرار، سيكون في موقع متقدم لفهم المستهلك الجديد.