اكتشاف آلية خفية تساعد الخلايا السرطانية على استعادة نموّها بعد العلاج

كشف باحثون أمريكيون عن آلية جديدة تساهم في مقاومة الخلايا السرطانية للعلاج، مما يزيد من احتمالية عودة المرض. وتتعلق هذه الآلية باستغلال الخلايا السرطانية لإنزيم DFFB، الذي يلعب دوراً تقليدياً في عملية موت الخلايا المبرمج، بطريقة غير متوقعة لتعزيز بقائها ونموها. وقد نشرت الدراسة في دورية علمية متخصصة، وتثير تساؤلات حول الفهم الحالي لكيفية استجابة السرطان للعلاج.
أجريت الأبحاث في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، حيث توصل الفريق العلمي إلى أن الإنزيم DFFB، بدلاً من أن يؤدي إلى تدمير الخلايا السرطانية، يرسل إشارة إجهاد تضعف الاستجابة المناعية وتمنح الخلايا فرصة للتعافي والنمو مجدداً. هذه الاكتشافات قد تؤدي إلى تطوير استراتيجيات علاجية جديدة تستهدف هذه الآلية المبكرة للمقاومة.
آلية جديدة لمقاومة الخلايا السرطانية للعلاج
يعتبر السرطان أحد الأسباب الرئيسية للوفاة على مستوى العالم، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه مسؤول عن وفاة واحدة من كل ست وفيات. غالباً ما ترجع هذه الوفيات إلى تطور مقاومة للعلاج بعد فترة استجابة أولية. ومعظم حالات المقاومة المعروفة تنجم عن طفرات جينية تتراكم في الخلايا السرطانية بمرور الوقت.
ومع ذلك، تشير الدراسة الجديدة إلى وجود آلية مقاومة أخرى لا تعتمد على الطفرات، بل تحدث في مراحل مبكرة من العلاج. هذه الآلية تتمحور حول إنزيم DFFB، الذي يلعب دوراً حاسماً في عملية موت الخلايا المبرمج، وهي عملية ضرورية للتخلص من الخلايا التالفة أو غير المرغوب فيها في الجسم.
دور إنزيم DFFB في الخلايا السليمة والخلايا السرطانية
في الخلايا السليمة، يظل إنزيم DFFB خامداً حتى تتلقى الخلية إشارة للتخلص منها. وعند تفعيل الإنزيم، يقوم بقطع الحمض النووي للخلايا، مما يؤدي إلى موتها ويحمي الخلايا المجاورة.
لكن في الخلايا السرطانية التي تنجو من العلاج، يفرز الإنزيم بكميات صغيرة لا تكفي لتدمير الحمض النووي بشكل كامل. بدلاً من ذلك، تطلق هذه الكميات الصغيرة إشارة إجهاد تعمل على تثبيط الاستجابة المناعية، مما يسمح للخلايا السرطانية بالتعافي والنمو مرة أخرى. هذا الاكتشاف يمثل تحولاً في فهم كيفية تعامل الخلايا السرطانية مع الإشارات التي من المفترض أن تؤدي إلى موتها.
وفقاً لماثيو هانغاور، المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ المساعد في طب الجلد بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، فإن هذه النتائج “تقلب فهمنا التقليدي لموت الخلايا السرطانية”. وأضاف أن منع هذه الإشارة قد يقلل بشكل كبير من احتمالات عودة الورم أثناء العلاج.
أوضح أوغست ويليامز، الباحث في مختبر هانغاور، أن الخلايا السرطانية “تستغل آلية تدمير الحمض النووي ذاتها لاستئناف النمو بعد العلاج”. هذا يعني أن الخلايا السرطانية لا تتجاهل إشارات موت الخلايا فحسب، بل تستخدمها لصالحها.
تعتبر هذه النتائج ذات أهمية خاصة في سياق العلاج الكيميائي والإشعاعي، حيث غالباً ما تنجو بعض الخلايا السرطانية من العلاج وتعود للنمو لاحقاً، مما يؤدي إلى انتكاس المرض. فهم هذه الآلية قد يفتح الباب أمام تطوير علاجات أكثر فعالية تستهدف هذه الخلايا المتبقية.
تتزايد الأبحاث حول العلاج المناعي للسرطان، والذي يعتمد على تحفيز جهاز المناعة لمهاجمة الخلايا السرطانية. لكن هذه الدراسة تشير إلى أن الخلايا السرطانية يمكن أن تتلاعب بجهاز المناعة باستخدام إنزيم DFFB، مما يجعل العلاج المناعي أقل فعالية. لذلك، قد يكون من الضروري تطوير استراتيجيات جديدة لتعزيز الاستجابة المناعية والتغلب على هذه الآلية الدفاعية.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المفيد فحص مستويات إنزيم DFFB في الأورام السرطانية لتحديد المرضى الذين قد يكونون أكثر عرضة لتطور المقاومة للعلاج. هذا يمكن أن يساعد الأطباء على اتخاذ قرارات علاجية أكثر استنارة وتخصيص العلاج لكل مريض على حدة.
الخطوة التالية في هذا البحث هي تطوير أدوية تستهدف إنزيم DFFB أو الإشارة التي يرسلها. يهدف الباحثون إلى إيجاد طرق لمنع الخلايا السرطانية من استغلال هذه الآلية، مما يزيد من فعالية العلاج ويقلل من خطر عودة المرض. من المتوقع أن تستغرق هذه العملية عدة سنوات من البحث والتطوير، ولكن النتائج الأولية واعدة.
من المهم ملاحظة أن هذه الدراسة لا تزال في مراحلها الأولية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد هذه النتائج وتحديد أفضل الطرق لتطبيقها في العلاج السريري. ومع ذلك، فإن هذا الاكتشاف يمثل خطوة مهمة نحو فهم أفضل للسرطان وتطوير علاجات أكثر فعالية.





