الأسواق الناشئة تجتذب المستثمرين بعوائدها المرتفعة

يتدفق المستثمرون على السندات المُقوّمة بالعملات المحلية للأسواق الناشئة التي كانت مستبعدة يوماً ما، مثل كينيا وباكستان، منجذبين إلى التحولات الاقتصادية في هذه الدول وأسعار الفائدة المرتفعة لديها.
وكانت الديون المصرية والباكستانية والنيجيرية والكينية وغيرها من البلدان المقومة بالعملات المحلية بعضاً من أكثر الأصول غير المرغوبة في الأسواق الناشئة في الأعوام الأخيرة، إذ كانت قاب قوسين أو أدنى من التعثر في السداد، في ضوء أزمات العملة التي أضرت كثيراً باقتصاداتها.
لكن هذه السندات عادت إلى واجهة المشهد حالياً، مدعومة بمجموعة من قرارات رفع الفائدة وتحركات تهدف إلى تحرير أسواق العملات، مع سعي هذه الدول إلى إصلاح اقتصاداتها المتضررة. ومع انخفاض الفائدة في بعض من الأسواق الناشئة الأكثر نضجاً مثل البرازيل، يعتبر المستثمرون العوائد التي تتخطى 9% في الأسواق الواعدة جذابة للغاية وبصورة لا يمكنهم تجاهلها.
و«لتحقيق أرباح حقيقية، يتعين عليك اللجوء إلى صفقات خارج النطاق المعتاد إلى حد ما في الأسواق الفرعية»، بحسب أحد مديري صناديق الأسواق الناشئة الذي استثمر في أذون الخزانة المصرية ونظر كذلك في شراء ديون قصيرة الأجل المقومة بالنيرة النيجيرية. وتابع: «ما زالت الديون المقومة بالعملات المحلية في الأسواق الواعدة تمنحك فرصة التداول بفروق أسعار الفائدة»، أو عوائد ضخمة مقارنة بالفوائد الأمريكية. ويرى مدير الصندوق أن الأسواق الواعدة «ستمنحك الكثير من العوائد»، إذا انتهى الأمر بالاحتياطي الفيدرالي إلى خفض الفائدة مرة واحدة هذا العام.
وأضاف: «العملات المحلية في الأسواق الفرعية لا تزال توفر لك عوائد مجزية» (أو عوائد أعلى بكثير مقارنة بأسعار الفائدة الأمريكية). وتابع: حتى إن خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط هذا العام، فإن «الأسواق الفرعية ستظل توفر لك عائداً كبيراً».
وبعد أن ابتعد المستثمرون عن تركيا لسنوات بسبب خوفهم من سوء الإدارة النقدية، جذبتهم إليها مرة أخرى معدلات فائدة تبلغ 50%، تهدف إلى معالجة التضخم المرتفع وتحقيق استقرار الليرة. لذلك، فقد تضاعفت حيازات المستثمرين الأجانب من الديون الحكومية المقومة بالليرة بنحو أربع مرات منذ بداية العام الجاري إلى قرابة 10 مليارات دولار بنهاية مايو، بحسب بيانات المصرف المركزي.
كما صارت الديون المصرية رائجة هذا العام. وضخ المستثمرون الأجانب 15 مليار دولار في السندات المصرية المحلية، وجاء أغلب هذه الاستثمارات بعد استثمار قدره 35 مليار دولار ضخه صندوق الثروة السيادي لأبوظبي في محاولة لتخفيف حدة الأزمة المالية التي تعانيها البلاد. وخفضت السلطات قيمة الجنيه المصري هذا العام وسمحت أيضاً بالتداول الحر أمام الدولار، باعتبارها طريقة لتخفيف نقص العملة الأجنبية.
ويعتقد مستثمرون أن إصلاحات مماثلة في نيجيريا وتركيا ونحو 20 سوقاً واعدة أخرى بدأت تؤتي ثمارها في وقت انخفضت فيه العوائد على أشكال أخرى من ديون الأسواق الناشئة. وقال لويس كوستا، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسواق الناشئة لدى «سيتي»: «أصبح صانعو السياسات في الأسواق الواعدة أكثر ذكاء».
وارتفعت الديون المقومة بالدولار لدى كثير من هذه الدول بالفعل مع تفاديها التخلف الصريح عن السداد، وسط تشكيك كثير من المستثمرين في أن العائدات – التي تتحرك عكسياً مع الأسعار – يمكن أن تنخفض كثيراً. في الوقت نفسه، ينظر إلى الزيادة في حجم الديون المقومة بالعملات المحلية للأسواق الناشئة ذات الجدارة الائتمانية الأعلى، على أنها ظاهرة قاربت على الانتهاء.
ومؤخراً، جاءت التداولات في بعض عملات الأسواق الناشئة الأكبر بنتائج عكسية. وهو ما أظهره على سبيل المثال، البيع الكثيف والحاد الذي أصاب البيسو المكسيكي عقب الانتخابات الرئاسية هذا الشهر.
وقال جوني غولدين، رئيس استراتيجية الدخل الثابت للأسواق الناشئة لدى «جيه بي مورغان»، إن المستثمرين يحاولون تفادي الرهان على موعد خفض الفيدرالي للفائدة. وهناك عدد من الدول التي تتمتع بمحركات متفردة في الأسواق الناشئة«، وفقاً لغولدين، لافتاً إلى أن هذه البلاد تشهد مزيجاً من تخفيض في قيم العملات وزيادات الفائدة والإصلاحات السياسية، فضلاً عن تسلمها قروض إنقاذ، معتبراً إياها عوامل مطمئنة للمستثمرين.
ويميل المستثمرون إلى الحذر بشأن الديون المحلية للدول الأكثر خطورة التي تتسم بأنها أكثر تقلباً وترتبط مصائرها بما قد تواجهه العملة. ويخشى كثير من المستثمرين فرضاً مفاجئاً لضوابط على رؤوس الأموال أو احتمالية تجمد أسواق الدين خلال أزمة ما ومسارعة المستثمرين إلى الخروج.
وأشار محللون إلى أنه هناك مؤشرات قليلة حتى الآن على أن شراء الديون يشكل تعاملات مزدحمة أو أن المستثمرين لا يأخذون المخاطر بعين الاعتبار. وأوضح غولدين:»ما نراه هو أنه في حين ازداد اتخاذ المراكز، لكنها ليست كبيرة بصفة عامة«.
وبينما هرع المستثمرون في عودتهم إلى السندات المقومة بالليرة التركية هذا العام استجابة لاتباع سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، فإنهم لا يشكلون سوى نحو 5% من السوق، بانخفاض كبير من 20% قبل أزمة العملة التي واجهتها البلاد في 2018. وبالنسبة لمصر، يحتفظ المستثمرون الأجانب بقرابة عُشر الديون المحلية، أي أعلى من القاع المسجل في 2022 لكن أقل كثيراً من الذروة المسجلة في 2021.
ومع ذلك، فإن احتمالية بقاء الفائدة الأمريكية مرتفعة لمدة أطول مع مجابهة الفيدرالي تضخماً عالياً وعنيداً، قد تشكل عائقاً أمام الديون المحلية للأسواق الناشئة. وسلط محللو»موديز«الضوء على مواجهة مصر ونيجيريا وباكستان، اللاتي يتوقع إنفاقها أكثر من ثلث إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون بحلول 2028، خطراً على وجه الخصوص جراء ارتفاع الفائدة الأمريكية، لأن ذلك قد يجبرهم على تثبيت فوائدهم عند مستويات مرتفعة لجذب رؤوس الأموال.
وأعلن المركزي الكيني هذا الشهر أنه لا يستطيع خفض الفائدة من مستوياتها الحالية البالغة 13% لأن معدلات الفائدة العالمية قد تواصل إبعاد أموال المستثمرين عن البلاد.
وقال كاماو ثوغي، محافظ المركزي الكيني:»يجب علينا أن نكون حذرين للغاية كي لا نتخذ تدابير من شأنها أن تسفر عن النوع ذاته من المشكلات التي واجهناها من قبل، ونرى مرة أخرى رؤوس الأموال تهرب إلى الخارج لأن العوائد أقل من الخارج«.
ورغم ذلك، يعتقد بعض المستثمرين أن السندات المقومة بالعملات المحلية والعوائد التي تقدمها ما زالت أكثر جاذبية من الديون المقومة بالدولار في هذه الدول، حتى وإن ظلت الفائدة الأمريكية مرتفعة.
وقال دانيال وود، مدير محفظة ديون الأسواق الناشئة لدى»ويليام بلير إنفستمنت مانجمنت«، إنه في حين ما زالت الديون المقومة بالدولار تحمل قيمة في طياتها، إلا أن»التقييمات تبقى محدودة«، مضيفاً:»بالنسبة للعملات المحلية، فليست هذه سوى البداية”.