الاحتلال يشرع في إلغاء تراخيص منظمات دولية في غزة والضفة

بدأت الحكومة الإسرائيلية إجراءات لإلغاء تراخيص عمل عدد من المنظمات الدولية في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك منظمة “أطباء بلا حدود”، وذلك بذريعة عدم استيفاء هذه المنظمات لمتطلبات التسجيل القانونية الإسرائيلية. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات وتزايد القيود المفروضة على عمل المنظمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، مما يثير مخاوف بشأن تأثير ذلك على المساعدات المقدمة للسكان.
ووفقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن هذه الإجراءات القانونية تقودها لجنة وزارية مشتركة برئاسة وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، وتشمل إرسال إخطارات رسمية لأكثر من عشر منظمات دولية. من المقرر أن تنتهي صلاحية تراخيص هذه المنظمات في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، مع إنهاء أنشطتها بشكل كامل بحلول الأول من مارس/آذار 2026.
القيود على عمل المنظمات الدولية في فلسطين
تأتي هذه الخطوة بعد فترة مهلة طويلة منحتها الحكومة الإسرائيلية للمنظمات للامتثال لمتطلباتها، حيث كان الموعد النهائي الأصلي في التاسع من سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يتم تمديده حتى نهاية العام الحالي. وتشير التقارير إلى أن بعض المنظمات رفضت تلبية شرط رئيسي تراه السلطات الإسرائيلية ضروريًا، وهو تقديم قوائم كاملة بأسماء موظفيها الفلسطينيين لإجراء ما تسميه “فحوصات أمنية”.
وادعت السلطات الإسرائيلية أن تحقيقاتها الأمنية كشفت عن تورط موظفين في “أطباء بلا حدود” في أنشطة تعتبرها “إرهابية”، لكنها لم تقدم حتى الآن أي أدلة ملموسة تدعم هذه الادعاءات. هذا الادعاء أثار جدلاً واسعاً وانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية والدولية التي ترى فيه محاولة لتبرير تقويض عملها الإنساني.
الخلفية السياسية والإنسانية
تأتي هذه الإجراءات في سياق سياسي معقد يشهد تصاعدًا في التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، وتزايدًا في القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع في الأراضي الفلسطينية. وتعتمد العديد من العائلات الفلسطينية على المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية لتلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والمأوى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة تتوافق مع تقارير سابقة حول سعي إسرائيل لفرض سيطرة أكبر على عمل المنظمات الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. وكانت مجلة +972 العبرية قد نشرت تقريرًا في سبتمبر/أيلول الماضي يشير إلى أن إسرائيل تسعى لفرض آلية جديدة تهدف إلى تقييد عمل هذه المنظمات، وفرض رقابة مشددة على أنشطتها.
وتشمل هذه الآلية مطالبة المنظمات بتقديم قوائم بجميع موظفيها، وإخضاعهم لفحوصات أمنية، وحظر عمل أي منظمة توظف أشخاصًا يُتهمون بالتحريض على مقاطعة إسرائيل. ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تهدف إلى تجميد عمل المنظمات الإنسانية، وتقويض قدرتها على تقديم المساعدة للسكان الفلسطينيين.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تسعى إلى تفكيك نموذج المساعدات القائم على تلبية الاحتياجات الإنسانية، واستبداله بنظام يخدم أجندتها السياسية. وتعتبر هذه الخطوة بمثابة تهديد خطير للعمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية، وقد تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية القائمة.
يُذكر أن إسرائيل اتخذت بالفعل إجراءات مماثلة ضد وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حيث أقر الكنيست قانونًا يحظر عملها في إسرائيل، بدعوى تورط بعض موظفيها في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد نفت أونروا هذه الاتهامات، وأكدت التزامها بمبادئ الحياد والاستقلالية.
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، صادقت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست على مشروع قرار يمنع توفير الخدمات الأساسية لمقار أونروا، مثل المياه والكهرباء. وقد اعتبرت حركة حماس هذه الخطوة محاولة لتعطيل عمل الوكالة، وتقويض قدرتها على تقديم المساعدة للاجئين الفلسطينيين.
من المتوقع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ هذه الإجراءات في الفترة القادمة، مما قد يؤدي إلى مزيد من القيود على عمل المنظمات الدولية في الأراضي الفلسطينية. ويجب مراقبة التطورات على الأرض، وتقييم تأثير هذه الإجراءات على الوضع الإنساني للسكان الفلسطينيين. كما يجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف هذه الإجراءات، والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بعملها دون عوائق.




